والكتاب مملوء بالاستنتاجات المؤكدة لحقيقة الخلق، وعظيمة الخالق، وإن جاءت كلها مغلفة بسحابةٍ من الاستحياء، والتردد الشديدين.
في ظل سيادة الاعتقاد الخاطئ بأن الكون الذي نحيا فيه كان منذ الأزل وسيبقى إلى الأبد، وأنه كون لا نهائي لا تحده حدود، وأنه كونٌ ساكن ثابت في مكانِه لا يتغير، وأن النجوم مثبتةٌ في السماء التي تدور بنجومِهَا كقطعة واحدة حول الأرض، وأن الكون شاملٌ للعناصر الأربعة التراب، والماء، والهواء والنار، وحول هذه الكُرَات الأربع تدور السماء بنجومها، وغير ذلك من الخرافات والأساطير.
في هذا الوقت جاء القرآن الكريم مؤكدا أن الكون مخلوق له بداية، ولابد أن ستكون له في يوم من الأيام نهاية، وأنه محدود بحدود لا يتجاوزها، وإن كنا لا نستطيع أن ندركها. ومؤكِّدًا أن جميع أجرام السماء في حركة دائبة وجري مستمر إلى أجل مسمى وأن السماء ذاتها في توسع دائب إلى أجل مسمى، وأن السموات والأرض كانتا في الأصل جرمًا واحدًا، ففتقهما الله؛ فتحولت مادة هذا الجرم الأولي إلى الدخان الذي خلقت منه الأرض والسماء، وأن هذا الكون سوف يطوى ليعود كهيئتِهِ الأولى جرمًا واحدًا مفردًا، يتفتق مرة أخرى إلى سحابة من الدخان، تخلق منها أرض غير أرضنا الحالية، وسموات غير السموات التي تظلنا في حياتنا الدنيا.
وهنا تتوقف رحلة الحياة الأولى وتبدأ رحلة الآخرة. وفيها الحياة أبدية خالدة خلودًا بلا موت قال سبحانه: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السموات وَالْأَرْضَ كَانَتَا رتقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} وقال