الذي أبدَعَ هذا الخلقَ قادِرٌ على إفنائِه، وعلى إعادةِ خلْقِهِ من جديد، كَمَا تأتي هذه الآيات الكونية في مَقَامِ الاستدلال على وحدانيةِ الخالق العظيم بغير شريك، ولا شبيه، ولا منازع وتتراءى هذه الوحدانية لكل ذي بصيرةٍ في جميع جنبات الكون، وفي كل أمر من أموره في السموات، وفي الأرض، في الأنفس، وفي الآفاق في كل سنة من سنن الكون، وفي كل ناموس من نواميسه، وفي كل جزئية من جزئياته من الذرة إلى الخلية الحية إلى المجرة.
كما تتراءى في وحدة بناء الكون ووحدة لبناته، وتآصل عناصرِهِ التي تُرَدُّ كلها إلى غاز الإيدروجين، وفي وحدة كُلٍّ من المادة والطاقة، وفي تواصل كل من المكان والزمان، وفي وحدة بناء الخلية الحية، وفي وحدة الحياة والممات والمصير لكل حي. وتتراءى وحدانية الخالق -سبحانه وتعالى- في تعميم الزوجية على جميع المخلوقات من الأحياء والجمادات حتى يبقى الخالقُ في علاه متفردًا بالوحدانية المطلقة، فوق جميع خلقِهِ، ومع تسليمنا بكل ذلك؛ فإن القرآن الكريم يبقَى كلام الله الخالق الذي أوحي به إلى خاتم أنبيائه ورسله، وتعهد -سبحانه وتعالى- بحفظه باللغة نفسها التي أوحاه بها -اللغة العربية- فحفظه كلمة كلمة، وحرفًا حرفًا؛ تحقيقًا للوعد الإلهي الذي قطعه ربنا سبحانه على ذاته العلية فقال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9).
ولمَّا كان القرآنُ الكريم هو كلام الله الخالق، وكان الكون من صنعتِه، وإبداع خلقه؛ فلابد أن يكون كل حرف وكلمة، وآية في القرآن الكريم حقًّا مطلقًا، وأن تكون كل الإشارات الكونية فيه ناطقةً بالحقيقة المطلقة للكون، ومكوناته، ولو وعى المسلمون ذلك حقَّ الوعي؛ لكان لهم السبق في الكشف عن العديد من حقائق هذا الكون قبل غيرهم من الأمم بقرون عديدة. ويظل هذا السبق من