كما أن أهل الأجيال القادمة سوف يجدون فيه الإعجاز، ولكن لا ندري كيف سيكون ذلك.
ربما كان عن بعض الطرق التي نعرفها اليوم، وربما كان عن بعض الطرق التي سيعرفها إنسان المستقبل، وهي خافية علينا الآن. ولا يجوز لأي إنسان أن يمنع مثل هذا ما دام خاضعاً للضوابط العلمية السابقة التي ذكرناها من قوانين الشرع وقواعد اللغة» (?).
وهذا الذي ذكره من كون المعجزات متعددة للقرآن، وكونها تظهر للأجيال فيه نظر من عدة وجوه:
الأول: أنه غير لازمٍ تَنَوُّعُ الإعجازِ في القرآن على حسب العصور، فما زال المسلمون جيلاً بعد جيل، وقرناً بعد قرن، لم يظهر لهم وجوه إعجاز جديدة، بل بقوا على ما ذكره السابقون من وجوه الإعجاز، ولم تظهر الأنواع الحادثة ـ كالإعجاز العلمي والتاريخي والنفسي وغيرها ـ إلا في هذا العصر، فدعوى أن يظهر للقرآن في كل قرن وجيل وجه من الإعجاز دعوى لا يوافقها تاريخ المسلمين.
أما دعوى أنه سيظهر له أنواع أخرى من الإعجاز تتناسب مع الأجيال القادمة، فتلك في علم الغيب، والله أعلم بغيبه.
الثاني: أن التقليل من فهم المعاصرين لوجه الإعجاز الذي وقع به التحدي، وهو ما كان طريقه لغة العرب فيه تنقُّصٌ لأهل هذا العصر، فإن كان المتكلم لا يدرك ذلك، فليس يعني هذا أن غيره لا يدركه.
كما أن هذه الوجوه الإعجازية التي يذكرونها لا يدركها إلا قلة من الناس، فالباحثون في ذلك العلم الذي يُدَّعى للقرآن الإعجاز فيه هم الذين يدركونه ويعرفونه تمام المعرفة، أما غيرهم، فهم يسلمون لأصحابه المتكلمين فيه، خصوصاً إذا أوتوا حسن بيان وعرض.