مسألة: هل لهؤلاء المعتنين بربط الآيات بالعلوم الحديثة سلف؟
لقد فُتِنَ أقوام بالتقدم المادي في العلوم التجريبية والتطبيقية، وظهر في حياتهم المختلفة آثار هذا الافتتان، وصار بعض المسلمين أسيراً لما يصدر من الغرب؛ كأي أمة منهزمة تنظر إلى ما عند هازمها، فتزدري ما عندها من العلم، سواءً شعر هؤلاء أم لم يشعروا.
ولقد فُتن جماعة من المسلمين قبل هذا العصر بعلومٍ من نتاج أقوام سابقين كعلوم اليونان، ووصل الحال بتطبيق علومهم على علوم المسلمين، وتحكيمها عليها، بل بالغ بعضهم فرأى أن الفلسفة والشريعة لا تتناقضان، وراح يحمل الشريعة على معاني الفلسفة، فكتب في ذلك (فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال).
وإذا تأمَّلت عمل هؤلاء وجدت أنهم رأوا علوماً لا غبار عليها في نظرهم، ونظروا في الشريعة فوجدوا أنها تتوافق مع هذه العلوم ـ في نظرهم ـ فحملوا هذه على تلك، وجعلوا المشكاة التي تصدر عنها هذه وتلك واحدةً.
وإذا تأملت عملهم هذا وجدت ـ قطعاً ـ أنهم يضطرون إلى تأويل النصوص الشرعية ـ بل تحريفها بعض الأحيان ـ لتوافق ما في الفلسفة من معلومات، فالأصل عندهم العلوم الفلسفية، والشريعة تُعرض عليها ليُعرف منها ما هو موافق لها وإلاَّ أُوِّلَ ليوافق الفلسفة.
وإذا تأملت ما يقوم به بعض من خاض غمار الإعجاز العلمي وجدت أن حاله كهذا الحال، فهو يدخل إلى تفسير آيات القرآن وفي ذهنه معلومات سابقة قد ملأت فكره وعقله، فيرى من النصوص ما يظن أنه يوافق ما عنده من معلومات في العلم الذي يتخصص به، فيحملها على ما عنده من هذه المعلومات، وقد يصيب في بعضها، كما قد يخطئ في بعضها الآخر.