هذا القرآن من عند الله، فبينه وبين ذلك حجاب مستور، والله أعلم.
ومن ثمَّ، فإن العناية بالأمر الأول ـ وهو البحث التجريبي والنظر في هذا الكون والتدبر فيه ـ يجب أن تكون أكبر وأكثر من العناية بالأمر الثاني ـ وهو ما يسمى بالإعجاز العلمي ـ لوجهين:
الوجه الأول: أنه هو المجال الوحيد الذي سبقنا فيه أعداؤنا، ولا بد لنا من منافستهم في ذلك، والسعي للتقدم عليهم فيه.
الوجه الثاني: أنه عندما يقوم الباحثون المسلمون بتلك البحوث نضمن أنهم لن يصلوا إلى نتائج خاطئة مخالفة للكتاب والسُّنَّة، بل إنهم سوف يعيدون النظر في بعض النتائج المخالفة للكتاب والسُّنَّة التي وصل إليها الباحث غير المسلم من الشرق أو الغرب؛ لأنه يوجد حدود للممنوع أو لمعرفة ما يمكن معرفته مما لا يمكن كما هو عند من يهتدي بهُدى الوحي.
وإذا بقي همُّنا منصبّاً على العناية بما يسمى بالإعجاز العلمي لإثبات صحة هذا الدين لأولئك الذين لا يؤمنون إلا بالحقائق المادية، فإننا سنبقى عالة على الغرب ننتظر منه كل جديد في العلوم، ثمَّ نبحث ما يوافقه في شرعنا، ولا يخفاك ما دخل علينا من هذه العلوم مما هو مخالف لشرعنا، وما ذاك إلا بسبب أنَّ موقفنا نحن المسلمين موقف التلميذ الضعيف المتلقي الذي يشعر أنه لا شيء عنده يمكن أن يقدمه.
والبحث العلمي بلا قوة تحميه لا يمكن أن ينفعل في الواقع، لذا لا بدَّ من أن يواكب العلم قوةٌ تكون في الأمة كي تدعم هذا العلم وتحافظ عليه، وإلا صار ما تراه من هجرة العلماءِ عن ديار المسلمين إلى ديار الغرب الكافرة.
وأقول أخيراً: إنَّ في الموضوع قضايا كثيرة تحتاج إلى تجلية وإيضاح، ولولا ضيق المقام لأشرت إليها، وإني أسأل الله أن يوفقني ويعينني على الكتابة فيه على منهجٍ عدل وسط لا شطط فيه.