التفسير، وهو قيد يلتزم به مقيِّده ـ وإن لم يكن في الواقع قد التزمه كثيرون ممن بحث في هذا الموضوع ـ ولا يُلزمُ به المفسِّرَ؛ لأنَّ التفسير أوسع من الإعجاز.
ومن عجيب الأمر أن بعضهم يؤكد على هذه القاعدة، ويجعل المقام في الإعجاز مقام تحدٍّ للكفار، ويقول: ... أن القرآن الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة على النبي الأمي صلّى الله عليه وسلّم في أمة غالبيتها الساحقة من الأميين = يحوي من حقائق هذا الكون ما لم يستطع العلماء إدراكه إلا منذ عشرات قليلة من السنين.
هذا السبق يستلزم توظيف الحقائق، ولا يجوز أن توظف فيه الفروض والنظريات إلا في قضية واحدة وهي قضية الخلق والإفناء ... لأن هذه القضايا لا تخضع للإدراك المباشر للإنسان، ومن هنا فإن العلم التجريبي لا يتجاوز فيها مرحلة التنظير، ويبقى للمسلم نور من كتاب ربه أو من سُنَّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم يعينه على أن يرتقي بإحدى تلك النظريات إلى مقام الحقيقة، ونكون بذلك قد انتصرنا للعلم بالقرآن الكريم أو بالحديث النبوي الشريف، وليس العكس. انتهى كلامه.
ولعلك ترى كيف أن هذا القائل ينقض قاعدته في نفس كلامه عنها، إذ يمكن أن يستخدم غيره هذا الضابط الذي خرم به القاعدة في الحديث عن الخلق والإفناء كما استخدمه هو، وبهذا فإنه لا يوجد قاعدة تخصُّ الإعجاز العلمي على هذا السبيل؛ إذ يمكن أن تكون كثير من فرضيات البحوث التجريبية مما لا تخضع للإدراك البشري، ثم نصحِّحها لورود ما يدل عليها من القرآن اجتهاداً أن هذه الآية تشهد لتلك النظرية.
وهنا مسألة مهمة، وهي: من الذي يُثبتُ أنَّ هذه القضية صارت حقيقةً لا فرضية؟
أي: من هو المرجع في ذلك؟ أيكفي أن يُحدِّثَ بها مختصٌّ،