3 - روى أحمد بسنده عن ابن أبي نملة أن أبا نملة الأنصاري رضي الله عنه أخبره أنه: بينا هو جالس عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءه رجل من اليهود، فقال: يا محمد، هل تتكلم هذه الجنازة؟

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الله أعلم».

قال اليهودي: أنا أشهد أنها تتكلم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان حقاً لم تكذبوهم، وإن كان باطلاً لم تصدقوهم» (?).

وهذه الأحاديث تبين بوضوح طريقة التعامل مع مرويات بني إسرائيل فيما لا يمكن الجزم بصحته أو كذبه.

فإن قلت: لِمَ لَمْ تذكر ضابط العقل هنا؟ أليس العقل ضابطاً في معرفة الصدق من الكذب؟

فأقول: العقل قرينة في معرفة الصدق من الكذب، لكن هناك بعض الأمور التي تختلف فيها العقول من جهة القَبول وعدمه، كما أن هناك غرائب حكاها الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولولا حكايته لها لما قبلتها العقول، فدلَّ على أن العقل ليس ضابطاً مطلقاً؛ لأنه قد يأتي في بعض هذه المرويات ما تستغربه العقول لا ما تحيله العقول، وليس من الصواب ردُّها لعدم ملاءمتها لعقلك؛ إذ قد تتخرَّج عند عقل غيرك على تخريج معقول مقبول، وسيأتي ذكر مثال لذلك.

ولكي لا يخرج الموضوع عن مداره أقول:

إن السلف لما حكوا هذه الإسرائيليات انطلقوا من هذه الأحاديث التي تجيز التحديث عن بني إسرائيل، وتأمر بالتوقف في التصديق والتكذيب؛ إلا إذا كان هناك بينة ظاهرة واضحة لا لبس فيها، ومن ثَمَّ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015