لذا يمكن القول بأن خرق العادة نوعان:
الأول: الخرق المطلق الكلي، وذلك لا يكون إلا لنبي من أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام.
الثاني: خرق نسبي، وهو ما يقع لغيرهم، وهذا الخرق يتفاضل فيه الناس، فالسحرة ـ مثلاً ـ بعضهم أقوى في خرق عادة السحرة من بعض لذا يمكن معارضته فيما بينهم، أما ما يأتيهم من جهة النبي عليه الصلاة والسلام فإنهم يقرون بأنه مما لا يمكنهم صنعه ـ إلا ادعاءً كاذباً ـ ولا معارضته، لذا آمن السحرة بموسى لِمَا علموا من كون ما أتى به لا يمكن أن يكون من جنس ما يأتي به المخلوق أبداً.
كما أن مما يحسن التنبه له في موضوع (معجزات ـ آيات ـ الأنبياء) أنها ليست هي الطريق الوحيد لإثبات نبوة الأنبياء، لذا تجد أن أغلب الناس يؤمنون بدون أن يظهر لهم البرهان والحجة على معجزة من المعجزات، ومما يدلُّ على ذلك الأمثلة على ذلك ما وقع من أسئلة هرقل (ملك الروم) لأبي سفيان، فقد استدل هرقل على صدق النبي صلّى الله عليه وسلّم بأحواله، والأحوال من أعظم ما يمكن فيه معرفة الكاذب من الصادق.
واليوم ترى ـ وقبله كذلك ـ فئاماً من الناس يؤمنون برسالة نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، ولم يكن طريق إيمانهم به هو المعجزات، بل كان إيمانهم بأقل من ذلك بكثير، وهذا معروف مشتهر بين من يدعون الكفار إلى توحيد الله وتعبيد الناس له.
ومما يحسن التنبه له في (إعجاز القرآن) أن هذا المصطلح أحدث بلبلة في التفريق بين ما تُحدِّي به العرب صراحة وبين (دلائل الصدق) الأخرى التي فيه التي سمَّاها العلماء (أنواع الإعجاز القرآني)؛ كالإخبار بالغيوب، فظنَّ بعض الناس أنها داخلة في التحدي، والصحيح أنها دلائل صدق، لكنها ليست مما تَحدى الله به الإنس والجن، وأوضح