أقوال السلف) فمن تعلَّم طرائق توجيه أقوالهم وجد كثيراً منها له وجه معتبر، وإن كان غير راجح عند بعض العلماء، ولأذكر لك مثالاً تهتدي به في هذا المقام.
ذكر الطبري (ت:310هـ) تفسير السلف لاستحياء النساء من قوله تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيْسَتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة: 49]، وذهب جمهورهم في التعبير عن ذلك بأنهم يبقونهنَّ على قيد الحياة، ثم ذكر قولاً لابن جريج يخالف تعبيره تعبيرَهم، قال: «وقد أنكر ذلك من قولهم ابن جريج فقال بما:
حدثنا به القاسم بن الحسن قال: حدثنا الحسين بن داود قال: حدثني حجاج عن ابن جريج قوله: {وَيْسَتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} قال: يسترقُّون نساءكم.
فحاد ابن جريج بقوله هذا عما قاله من ذكرنا قوله في قوله: {وَيْسَتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ}: إنه استحياء الصبايا الأطفال إذ لم يجدهن يلزمهن اسم نساء، ثم دخل فيما هو أعظم مما أنكر بتأويله: {وَيْسَتَحْيُونَ}: يسترقُّون، وذلك تأويل غير موجود في لغة عربية ولا أعجمية، وذلك أن الاستحياء استفعال من الحياة، نظير الاستبقاء من البقاء، والاستسقاء من السقي، وهو من معنى الاسترقاق بمعزل» (?).
ولو التمست لتفسير ابن جريج (ت:150هـ) وجهاً في التأويل، وذهبت إلى أنه فسَّر جملة {وَيْسَتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} بلازمها، وهو كون هؤلاء الفتيات الصغيرات سيكنَّ رقيقات حال كِبَرِهنَّ واستطاعتهن للخدمة، لكان وجهاً حسناً مليحاً، فيكون تفسير الجمهور مبيناً عن معنى اللفظ من جهة