ومثال هذه المسألة في جملة: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} من قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73]، فهذه الجملة واضحة المعنى من حيث التفسير، لكن المراد بيانه هو ذلك المسلوب، ما هو؟
والمتقدمون يقولون: وإن يسلب الذباب الآلهة والأوثان شيئاً مما عليها من طيب أو طعام وما أشبهه لا تقدر الآلهة أن تستنقذ ذلك منه، وقد ورد هذا المعنى عن جماعة من السلف؛ منهم: عبد الله بن عباس (?)، والسدي الكبير (?)، وابن جريج (?)، وعلى هذا المعنى سار المفسرون خلفاً، ولم يغفلوا عن بيان المثل المضروب الذي هو المقصود بضرب المثل، ومن ذلك ما قاله الطبري (ت:310): «... وإنما أخبر ـ جَلَّ ثناؤه ـ عن الآلهة بما أخبر عنها في هذه الآية من ضعفها ومهانتها = تقريعاً منه بذلك عَبَدَتَها من مشركي قريش؛ يقول تعالى ذكره: كيف يُجعل لي مِثْلٌ في العبادة ويُشرَك فيها معي ما لا قدرة له على خلق ذباب = وإن استذلَّه الذباب فسلبه شيئاً عليه لم يقدر أن يمتنع منه ولا ينتصر، وأنا الخالق ما في السماوات والأرض، ومالكٌ جميعَ ذلك، والمحيي من أردت، والمغني ما أردت ومن أردت؟! إنَّ فاعل ذلك لا شك أنه في غاية الجهل» (?).
وفي هذا العصر ظهر اكتشاف غريب في الذباب، وهو أنه إذا ابتلع شيئاً من الطعام، فإنه يتحول في جوفه إلى مواد أخرى لا يمكن