وَلَمَّا أَرَادَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قِتَالَ مَانِعِي الزَّكَاةِ احْتَجُّوا عَلَيْهِ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ بِغَيْرِ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ: إِلَّا بِحَقِّهَا فَقَالَ: الزَّكَاةُ حَقُّ الْمَالِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا أَوْ عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ

فَتَأَمَّلُوا هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّ فِيهِ نُكْتَتَيْنِ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ سَبِيلًا إِلَى جَرَيَانِ الْأَمْرِ فِي زَمَانِهِ عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ يَجْرِي فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَرْتَدَّ مِنَ الْمَانِعِينَ إِنَّمَا مَنَعَ تَأْوِيلًا، وَفِي هَذَا الْقِسْمِ وَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ لَا فِيمَنِ ارْتَدَّ رَأْسًا، وَلَكِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَعْذُرْ بِالتَّأْوِيلِ وَالْجَهْلِ، وَنَظَرَ إِلَى حَقِيقَةِ مَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ فَطَلَبَهُ إِلَى أَقْصَاهُ حَتَّى قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا. . . إِلَى آخِرِهِ، مَعَ أَنَّ الَّذِينَ أَشَارُوا عَلَيْهِ بِتَرْكِ قِتَالِهِمْ إِنَّمَا أَشَارُوا عَلَيْهِ بِأَمْرٍ مَصْلَحِيٍّ ظَاهِرٍ تُعَضِّدُهُ مَسَائِلُ شَرْعِيَّةٌ، وَقَوَاعِدُ أُصُولِيَّةٌ، لَكِنَّ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ الصَّرِيحَ كَانَ عِنْدَهُ ظَاهِرًا، فَلَمْ تَقْوَ عِنْدَهُ آرَاءُ الرِّجَالِ أَنْ تُعَارِضَ الدَّلِيلَ الظَّاهِرَ، فَالْتَزَمَهُ، ثُمَّ رَجَعَ الْمُشِيرُونَ عَلَيْهِ بِالتَّرْكِ إِلَى صِحَّةِ دَلِيلِهِ تَقْدِيمًا لِلْحَاكِمِ الْحَقِّ، وَهُوَ الشَّرْعُ.

وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى مَا يَلْقَى هُوَ وَالْمُسْلِمُونَ فِي طَرِيقِ طَلَبِ الزَّكَاةِ مِنْ مَانِعِيهَا مِنَ الْمَشَقَّةِ إِذْ لَمَّا امْتَنَعُوا صَارَ مَظِنَّةً لِلْقِتَالِ وَهَلَاكَ مَنْ شَاءَ مِنِ الْفِرْقَتَيْنِ، وَدُخُولَ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، وَلَكِنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَعْتَبِرْ إِلَّا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015