أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَهُوَ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - دَاخِلٌ فِي سَوَادِهِمُ الْأَعْظَمِ، كَائِنٌ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، فَانْتَظَمَ فِي سِلْكِ النَّاجِيَةِ.
فَصْلٌ (النَّوْعُ الثَّانِي)
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ الشَّرِيعَةَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْخَلْقُ فِي تَكَالِيفِهِمُ الَّتِي أُمِرُوا بِهَا، وَتَعَبُّدَاتِهِمُ الَّتِي طَوَّقُوهَا فِي أَعْنَاقِهِمْ، وَلَمْ يَمُتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَمُلَ الدِّينُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ؛ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] فَكُلُّ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ بَقِيَ فِي الدِّينِ شَيْءٌ لَمْ يَكْمُلْ فَقَدْ كَذَبَ بِقَوْلِهِ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3].
فَلَا يُقَالُ: قَدْ وَجَدْنَا مِنَ النَّوَازِلِ وَالْوَقَائِعِ الْمُتَجَدِّدَةِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ نَصٌّ عَلَيْهِ، وَلَا عُمُومٌ يَنْتَظِمُهُ، وَأَنَّ مَسَائِلَ الْجَدِّ فِي الْفَرَائِضِ، وَالْحَرَامِ فِي الطَّلَاقِ، وَمَسْأَلَةَ السَّاقِطِ عَلَى جَرِيحٍ مَحْفُوفٍ بِجَرْحَى، وَسَائِرَ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ فَأَيْنَ الْكَلَامُ فِيهَا؟
فَيُقَالُ فِي الْجَوَابِ: أَوَّلًا إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] إِنِ اعْتُبِرَتْ فِيهَا الْجُزْئِيَّاتُ مِنَ الْمَسَائِلِ وَالنَّوَازِلِ فَهُوَ كَمَا أَوْرَدْتُمْ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ كُلِّيَّاتُهَا، فَلَمْ يَبْقَ لِلدِّينِ قَاعِدَةٌ يُحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي الضَّرُورِيَّاتِ وَالْحَاجِيَّاتِ أَوِ التَّكْمِيلِيَّاتِ إِلَّا وَقَدْ بُيِّنَتْ غَايَةَ الْبَيَانِ،