ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي الْجَوَابِ تَعْيِينُ الْوَصْفِ لَا تَعْيِينُ الْمَوْصُوفِ، فَلِذَلِكَ أَتَى بِمَا أَتَى، فَظَاهَرُهَا الْوُقُوعُ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِلِ مِنَ الْأَوْصَافِ وَغَيْرِهَا، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوْصَافُ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَمْ يُطَابِقِ السُّؤَالُ الْجَوَابَ فِي اللَّفْظِ. وَالْعُذْرُ عَنْ هَذَا أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَلْتَزِمُ ذَلِكَ النَّوْعَ إِذَا فُهِمَ الْمَعْنَى، لِأَنَّهُمْ لَمَّا سَأَلُوا عَنْ تَعْيِينِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ بَيَّنَ لَهُمُ الْوَصْفَ الَّذِي بِهِ صَارَتْ نَاجِيَةً، فَقَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي».
وَمِمَّا جَاءَ غَيْرَ مُطَابِقٍ فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى مُطَابِقٌ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ} [آل عمران: 15]؟ فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَعْنَاهُ: هَلْ أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا؟ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: نَعَمْ! أَخْبِرْنَا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [آل عمران: 15] الْآيَةَ. أَيْ لِلَّذِينِ اتَّقَوُا اسْتَقَرَّ لَهُمْ {عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [آل عمران: 15] الْآيَةَ. فَأَعْطَى مَضْمُونُ الْكَلَامِ مَعْنَى الْجَوَابِ عَلَى غَيْرِ لَفْظِهِ. وَهَذَا التَّقْرِيرُ عَلَى قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ.
وَقَالَ تَعَالَى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ} [محمد: 15] الْآيَةَ. فَقَوْلُهُ: مَثَلُ الْجَنَّةِ يَقْتَضِي الْمَثَلَ لَا الْمُمَثَّلُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} [البقرة: 17] وَلِأَنَّهُ كُلَّمَا كَانَ الْمَقْصُودُ الْمُمَثَّلَ جَاءَ بِهِ بِعَيْنِهِ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ذَكَرَ الْفِرَقَ وَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا فِرْقَةً نَاجِيَةً، كَانَ الْأَوْلَى السُّؤَالَ عَنْ أَعْمَالِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ، لَا عَنْ نَفْسِ الْفِرْقَةِ.