وَلَا الْعَكْسُ، وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ الْهَادِمُ مَا عَارَضَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، أَوْ مَا عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ، أَوْ مَعَانِيهَا الْمُعْتَبَرَةَ.
ثُمَّ إِنَّ مُخَالَفَةَ هَذِهِ الْأُصُولِ عَلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُخَالِفَ أَصْلًا مُخَالَفَةً ظَاهِرَةً مِنْ غَيْرِ اسْتِمْسَاكٍ بِأَصْلٍ آخَرَ، فَهَذَا لَا يَقَعُ مِنْ مُفْتٍ مَشْهُورٍ؛ إِلَّا إِذَا كَانَ الْأَصْلُ لَمْ يَبْلُغْهُ، كَمَا وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ بَعْضُ السُّنَنِ فَخَالَفُوهَا خَطَأً، وَأَمَّا الْأُصُولُ الْمَشْهُورَةُ فَلَا يُخَالِفُهَا مُسْلِمٌ خِلَافًا ظَاهِرًا مِنْ غَيْرِ مُعَارَضَةٍ بِأَصْلٍ آخَرَ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُخَالِفَهَا بَعْضُ الْمَشْهُورِينَ بِالْفُتْيَا. الثَّانِي أَنْ يُخَالِفَ الْأَصْلَ بِنَوْعٍ مِنَ التَّأْوِيلِ
وَالثَّانِي: أَنْ يُخَالِفَ الْأَصْلَ بِنَوْعٍ مِنَ التَّأْوِيلِ هُوَ فِيهِ مُخْطِئٌ، بِأَنْ يَضَعَ الِاسْمَ عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَوْ عَلَى بَعْضِ مَوَاضِعِهِ، أَوْ يُرَاعِيَ فِيهِ مُجَرَّدَ اللَّفْظِ دُونَ اعْتِبَارِ الْمَقْصُودِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّأْوِيلِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ أَنَّ تَحْلِيلَ الشَّيْءِ إِذَا كَانَ مَشْهُورًا فَحَرَّمَهُ بِغَيْرِ تَأْوِيلِ، أَوِ التَّحْرِيمَ مَشْهُورًا فَحَلَّلَهُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ كَانَ كُفْرًا وَعِنَادًا، وَمِثْلُ هَذَا لَا تَتَّخِذُهُ الْأُمَّةُ رَأْسًا قَطُّ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْأُمَّةُ قَدْ كَفَرَتْ، وَالْأُمَّةُ لَا تَكْفُرُ أَبَدًا.
وَإِذَا بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا تَقْبِضُ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَبْقَ حِينَئِذٍ مَنْ يَسْأَلُ عَنْ حَرَامٍ أَوْ حَلَالٍ. وَإِذَا كَانَ التَّحْلِيلُ أَوِ التَّحْرِيمُ غَيْرَ مَشْهُورٍ فَخَالَفَهُ مُخَالِفٌ لَمْ يَبْلُغْهُ دَلِيلُهُ، فَمِثْلُ هَذَا لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا مِنْ لَدُنْ زَمَانِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي آحَادِ الْمَسَائِلِ، فَلَا تَضِلُّ الْأُمَّةُ وَلَا يَنْهَدِمُ الْإِسْلَامُ وَلَا يُقَالُ لِهَذَا: إِنَّهُ مُحْدَثٌ عِنْدَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ.