كَذَلِكَ، فَبِدْعَةُ الْخَوَارِجِ مَثَلًا فِي طَرَفِ الْإِشْرَابِ كَبِدْعَةِ الْمُنْكِرِينَ لِلْقِيَاسِ فِي الْفُرُوعِ الْمُلْتَزِمِينَ الظَّاهِرَ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَتَجَارَى ذَلِكَ فِي كُلِّ بِدْعَةٍ عَلَى الْعُمُومِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِهَا مَنْ تَجَارَتْ بِهِ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ بِصَاحِبِهِ، كَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنْهُ أَنَّهُ أَنْكَرَ بِسَبَبِ الْقَوْلِ بِهِ سُورَةَ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] وَقَوْلَهُ تَعَالَى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر: 11] وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ بِهِ الْحَالُ إِلَى هَذَا النَّحْوِ كَجُمْلَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، كَالْفَارِسِيِّ النَّحْوِيِّ وَابْنِ جِنِّي.

وَالثَّانِي: بِدْعَةُ الظَّاهِرِيَّةِ فَإِنَّهَا تَجَارَتْ بِقَوْمٍ حَتَّى قَالُوا عِنْدَ ذِكْرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] قَاعِدٌ! قَاعِدٌ! وَأَعْلَنُوا بِذَلِكَ وَتَقَاتَلُوا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَبْلُغْ بِقَوْمٍ آخَرِينَ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ، كَدَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ فِي الْفُرُوعِ وَأَشْبَاهِهِ.

وَالثَّالِثُ: بِدْعَةُ الْتِزَامِ الدُّعَاءِ بِإِثْرِ الصَّلَوَاتِ دَائِمًا عَلَى الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، فَإِنَّهَا بَلَغَتْ بِأَصْحَابِهَا إِلَى أَنْ كَانَ التَّرْكُ لَهَا مُوجِبًا لِلْقَتْلِ عِنْدَهُ، فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْخَطَّابِ بْنُ خَلِيلٍ حِكَايَةً عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُجَاهِدٍ الْعَابِدِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ عُظَمَاءِ الدَّوْلَةِ وَأَهْلِ الْوَجَاهَةِ فِيهَا - وَكَانَ مَوْصُوفًا بِشِدَّةِ السَّطْوِ وَبَسْطِ الْيَدِ - نَزَلَ فِي جِوَارِ ابْنِ مُجَاهِدٍ وَصَلَّى فِي مَسْجِدِهِ الَّذِي كَانَ يَؤُمُّ فِيهِ، وَكَانَ لَا يَدْعُو فِي أُخْرَيَاتِ الصَّلَوَاتِ تَصْمِيمًا فِي ذَلِكَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015