الِاخْتِلَافُ كَقَوْلِهِ: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} [آل عمران: 105]. لِلِاخْتِلَافِ سَبَبَانِ: كَسْبِيٌّ، وَغَيْرُ كَسْبِيٍّ
فَلَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ مَا سَبَبُهُ؟ وَلَهُ سَبَبَانِ:
(أَحَدُهُمَا): لَا كَسْبَ لِلْعِبَادَةِ فِيهِ، وَهُوَ الرَّاجِعُ إِلَى سَابِقِ الْقَدَرِ، وَالْآخَرُ هُوَ الْكَسْبِيُّ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ، إِلَّا أَنْ نَجْعَلَ السَّبَبَ الْأَوَّلَ مُقَدِّمَةً، فَإِنَّ فِيهَا مَعْنًى أَصِيلًا يَجِبُ التَّثَبُّتُ لَهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ التَّفَقُّهَ فِي الْبِدَعِ. فَنَقُولُ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118] فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ أَبَدًا، مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُمْ مُتَّفِقِينَ لَكَانَ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا لَكِنْ سَبَقَ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ أَنَّهُ إِنَّمَا خَلَقَهُمْ لِلِاخْتِلَافِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي الْآيَةِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 119] مَعْنَاهُ: وَلِلِاخْتِلَافِ خَلَقَهُمْ. وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: خَلَقَهُمْ لِيَكُونُوا فَرِيقًا فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقًا فِي السَّعِيرِ. وَنَحْوَهُ عَنِ الْحَسَنِ فَالضَّمِيرُ فِي خَلَقَهُمْ عَائِدٌ عَلَى النَّاسِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ مِنْهُمْ إِلَّا مَا سَبَقَ فِي الْعِلْمِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ هَاهُنَا الِاخْتِلَافُ فِي الصُّوَرِ كَالْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ