أَحَدُهَا: أَنَّ كُلَّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ بِعَيْنِهِ قَدْ نُصِبَتْ عَلَى حُكْمِهِ دَلَالَةٌ، فَلَوْ كَانَ فَتْوَى الْقَلْبِ وَنَحْوِهِ دَلِيلًا لَمْ يَكُنْ لِنَصْبِ الدَّلَالَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَيْهِ مَعْنًى، فَيَكُونُ عَبَثًا، وَهُوَ بَاطِلٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]. فَأَمَرَ الْمُتَنَازِعِينَ بِالرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ دُونَ حَدِيثِ النُّفُوسِ وَفُتْيَا الْقُلُوبِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]. فَأَمَرَهُمْ بِمَسْأَلَةِ أَهْلِ الذِّكْرِ لِيُخْبِرُوهُمْ بِالْحَقِّ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يَسْتَفْتُوا فِي ذَلِكَ أَنْفُسَهُمْ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ احْتِجَاجًا عَلَى مَنْ أَنْكَرَ وَحْدَانِيَّتَهُ: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: 17]. إِلَى آخِرِهَا. فَأَمَرَهُمْ بِالِاعْتِبَارِ بِعِبْرَتِهِ، وَالِاسْتِدْلَالِ بِأَدِلَّتِهِ عَلَى صِحَّةِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يَسْتَفْتُوا فِيهِ نُفُوسَهُمْ، وَيَصُدُّوا عَمَّا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ قُلُوبُهُمْ، وَقَدْ وَضَعَ الْأَعْلَامَ وَالْأَدِلَّةَ، فَالْوَاجِبُ فِي كُلِّ مَا وَضَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ الدَّلَالَةَ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِأَدِلَّتِهِ عَلَى مَا دَلَّتْ، دُونَ فَتْوَى النُّفُوسِ وَسُكُونِ الْقُلُوبِ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ بِأَحْكَامِ اللَّهِ.
وَهَذَا مَا حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ عَمَّنْ تَقَدَّمَ، ثُمَّ اخْتَارَ إِعْمَالَ تِلْكَ