تَشْهَدُ لَهُ الْأُصُولُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، فَإِنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى (عَنْ) أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ»، وَقَالَ:

«دَعِ النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» وَقَالَ: «لَا تَلْقَوُا الرُّكْبَانَ بِالْبَيْعِ حَتَّى يُهْبَطَ بِالسِّلَعِ (إِلَى) الْأَسْوَاقِ» وَهُوَ مِنْ بَابِ تَرْجِيحِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْخَاصَّةِ، فَتَضْمِينُ الصُّنَّاعِ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ.

[اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الضَّرْبِ بِالتُّهَمِ]

الْمِثَالُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الضَّرْبِ بِالتُّهَمِ

إِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الضَّرْبِ بِالتُّهَمِ. وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى جَوَازِ السَّجْنِ فِي التُّهَمِ، وَإِنْ كَانَ السَّجْنُ نَوْعًا مِنَ الْعَذَابِ، وَنَصَّ أَصْحَابُهُ عَلَى جَوَازِ الضَّرْبِ، وَهُوَ عِنْدَ الشُّيُوخِ مِنْ قَبِيلِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الضَّرْبُ وَالسَّجْنُ بِالتُّهَمِ لَتَعَذَّرَ اسْتِخْلَاصُ الْأَمْوَالِ مِنْ أَيْدِي السُّرَّاقِ وَالْغُصَّابِ، إِذْ قَدْ يَتَعَذَّرُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، فَكَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي التَّعْذِيبِ وَسِيلَةً إِلَى التَّحْصِيلِ بِالتَّعْيِينِ وَالْإِقْرَارِ.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا فَتْحُ بَابِ تَّعْذِيبِ الْبَرِيءِ! قِيلَ: فَفِي الْإِعْرَاضِ عَنْهُ إِبْطَالُ اسْتِرْجَاعِ الْأَمْوَالِ. بَلِ الْإِضْرَابُ عَنِ التَّعْذِيبِ أَشَدُّ ضَرَرًا، إِذْ لَا يُعَذَّبُ أَحَدٌ لِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، بَلْ مَعَ اقْتِرَانِ قَرِينَةٍ تَحِيكُ فِي النَّفْسِ، وَتُؤَثِّرُ فِي الْقَلْبِ نَوْعًا مِنَ الظَّنِّ. فَالتَّعْذِيبُ فِي الْغَالِبِ لَا يُصَادِفُ الْبَرِيءَ، وَإِنْ أَمْكَنَ مُصَادَفَتُهُ فَتُغْتَفَرُ؛ كَمَا اغْتُفِرَتْ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015