مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ حَاجِبًا وَيَحْيَى وَزِيرًا ثُمَّ ابْنُهُ جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى ـ قَالَ ـ وَكَانُوا بَاطِنِيَّةً يَعْتَقِدُونَ آرَاءَ الْفَلَاسِفَةِ، فَأَحْيَوُا الْمَجُوسِيَّةَ، وَاتَّخَذُوا الْبَخُورَ فِي الْمَسَاجِدِ ـ وَإِنَّمَا تَطِيبُ بِالْخَلُوقِ ـ فَزَادُوا التَّجْمِيرَ وَيُعَمِّرُونَهَا بِالنَّارِ مَنْقُولَةً حَتَّى يَجْعَلُوهَا عِنْدَ الْأَنْدَلُسِ بِبَخُورِهَا ثَابِتَةً. انْتَهَى.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ النَّارَ لَيْسَ إِيقَادُهَا فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ شَأْنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَلَا كَانَتْ مِمَّا تُزَيَّنُ بِهَا الْمَسَاجِدُ أَلْبَتَّةَ، ثُمَّ أُحْدِثَ التَّزْيِينُ بِهَا حَتَّى صَارَتْ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُعَظَّمُ بِهِ رَمَضَانُ، وَاعْتَقَدَ الْعَامَّةُ هَذَا كَمَا اعْتَقَدُوا طَلَبَ الْبُوقِ فِي رَمَضَانَ فِي الْمَسَاجِدِ، حَتَّى لَقَدْ سَأَلَ بَعْضٌ عَنْهُ: أَهُوَ سُنَّةٌ أَمْ لَا؟ وَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّ غَالِبَ الْعَوَامِّ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْأُمُورِ مَشْرُوعَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ تَرْكِ الْخَوَاصِّ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ.
وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَمَّا لَمْ يُتَّخَذِ النَّاقُوسُ لِلْإِعْلَامِ، حَاوَلَ الشَّيْطَانُ فِيهِ بِمَكِيدَةٍ أُخْرَى فَعُلِّقَ بِالْمَسَاجِدِ وَاعْتُدَّ بِهِ فِي جُمْلَةِ الْالَآتِ الَّتِي تُوقَدُ عَلَيْهَا النِّيرَانَ وَتُزَخْرَفُ بِهَا الْمَسَاجِدُ، زِيَادَةً إِلَى زَخْرَفَتِهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا تُزَخْرَفُ الْكَنَائِسُ وَالْبِيَعُ.
وَمِثْلُهُ إِيقَادُ الشَّمْعِ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ الثَّامِنِ، ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهَا مِنَ الْبِدَعِ الْقَبِيحَةِ، وَأَنَّهَا ضَلَالَةٌ فَاحِشَةٌ جُمِعَ فِيهَا أَنْوَاعٌ مِنَ الْقَبَائِحِ. مِنْهَا إِضَاعَةُ الْمَالِ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ، وَمِنْهَا إِظْهَارُ شَعَائِرِ الْمَجُوسِ، وَمِنْهَا اخْتِلَاطُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالشَّمْعُ بَيْنَهُمْ وَوُجُوهُهُمْ بَارِزَةٌ، وَمِنْهَا تَقْدِيمُ دُخُولِ عَرَفَةَ قَبْلَ وَقْتِهَا الْمَشْرُوعِ. اهـ.