فَتَأَمَّلْ كَيْفَ قَرَنَ التَّبَايُعَ بِالْعِينَةِ بِضِنَّةِ النَّاسِ، فَأَشْعَرَ بِأَنَّ التَّبَايُعَ بِالْعِينَةِ يَكُونُ عَنِ الشُّحِّ بِالْأَمْوَالِ، وَهُوَ مَعْقُولٌ فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَتَبَايَعُ أَبَدًا هَذَا التَّبَايُعَ وَهُوَ يَجِدُ مَنْ يُسْلِفُهُ أَوْ مَنْ يُعِينُهُ فِي حَاجَتِهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ سَفِيهًا لَا عَقْلَ لَهُ.
وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى مَا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ:
سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ يَعَضُّ الْمُوسِرُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]، وَيَنْهدُ شِرَارُ خَلْقِ اللَّهِ يُبَايِعُونَ كُلَّ مُضْطَرٍّ، أَلَا إِنَّ بَيْعَ الْمُضْطَرِّ حَرَامٌ ; الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخُونُهُ، إِنْ كَانَ عِنْدَكَ خَيْرٌ فَعُدْ بِهِ عَلَى أَخِيكَ وَلَا تَزِدْهُ هَلَاكًا إِلَى هَلَاكِهِ.
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الثَّلَاثَةُ ـ وَإِنْ كَانَتْ أَسَانِيدُهَا لَيْسَتْ هُنَاكَ ـ مِمَّا يُعَضِّدُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَهُوَ خَبَرٌ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ يَشْهَدُ لَهُ الْوَاقِعُ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: عَامَّةُ الْعِينَةِ إِنَّمَا تَقَعُ مِنْ رَجُلٍ يُضْطَرُّ إِلَى نَفَقَةٍ يَضِنُّ