قَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِّ الْبِدْعَةِ مَا يَقْتَضِي الْخِلَافَ فِيهِ: هَلْ يَدْخُلُ فِي الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ أَمْ لَا؟
أَمَّا الْعِبَادِيَّةُ فَلَا إِشْكَالَ فِي دُخُولِهِ فِيهَا، وَهِيَ عَامَّةُ الْبَابِ، إِذِ الْأُمُورُ الْعِبَادِيَّةُ إِمَّا أَعْمَالٌ قَلْبِيَّةٌ وَأُمُورٌ اعْتِقَادِيَّةٌ، وَإِمَّا أَعْمَالُ جَوَارِحَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَكِلَا الْقِسْمَيْنِ قَدْ دَخَلَ فِيهِ الِابْتِدَاعُ كَمَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ، وَالْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ الْإِبَاحَةِ وَاخْتِرَاعِ الْعِبَادَاتِ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ وَلَا أَصْلٍ مَرْجُوعٍ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا الْعَادِيَّةُ فَاقْتَضَى النَّظَرُ وُقُوعَ الْخِلَافِ فِيهَا وَأَمْثِلَتُهَا ظَاهِرَةٌ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي تَقْسِيمِ الْبِدَعِ، كَالْمُكُوسِ، وَالْمُحْدَثَةِ مِنَ الْمَظَالِمِ، وَتَقْدِيمِ الْجُهَّالِ عَلَى الْعُلَمَاءِ فِي الْوِلَايَاتِ الْعِلْمِيَّةِ، وَتَوْلِيَةِ الْمَنَاصِبِ الشَّرِيفَةِ مَنْ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ بِطْرِيقِ الْوِرَاثَةِ، وَإِقَامَةِ صُوَرِ الْأَئِمَّةِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ وَالْقُضَاةِ، وَاتِّخَاذِ الْمَنَاخِلِ وَغَسْلِ الْيَدِ بِالْأُشْنَانِ وَلُبْسِ الطَّيَالِسِ وَتَوْسِيعِ الْأَكْمَامِ. . . وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي الزَّمَنِ الْفَاضِلِ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ؛ فَإِنَّهَا أُمُورٌ جَرَتْ فِي النَّاسِ وَكَثُرَ الْعَمَلُ بِهَا، وَشَاعَتْ وَذَاعَتْ؛ فَلَحِقَتْ بِالْبِدَعِ، وَصَارَتْ كَالْعِبَادَاتِ الْمُخْتَرَعَةِ