أَنَّ الْكُفَّارَ قَالُوا: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275]
فَإِنَّهُمْ لَمَّا اسْتَحَلُّوا الْعَمَلَ بِهِ وَاحْتَجُّوا بِقِيَاسٍ فَاسِدٍ، فَقَالُوا: إِذَا فَسَخَ الْعَشَرَةَ الَّتِي اشْتَرَى بِهَا إِلَى شَهْرٍ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ إِلَى شَهْرَيْنِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ إِلَى شَهْرَيْنِ، فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَدَّ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] أَيْ: لَيْسَ الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا، فَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ أَخَذُوا بِهَا مُسْتَنِدِينَ إِلَى رَأْيٍ فَاسِدٍ، فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحْدَثَاتِ، كَسَائِرِ مَا أَحْدَثُوا فِي الْبُيُوعِ الْجَارِيَةِ بَيْنَهُمُ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْخَطَرِ وَالْغَرَرِ.
وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ قَدْ شَرَعَتْ أَيْضًا أَشْيَاءَ فِي الْأَمْوَالِ كَالْحُظُوظِ الَّتِي كَانُوا يُخْرِجُونَهَا لِلْأَمِيرِ مِنَ الْغَنِيمَةِ، حَتَّى قَالَ شَاعِرُهُمْ:
لَكَ الْمِرْبَاعُ فِيهَا وَالصَّفَايَا ... وَحُكْمُكَ وَالنَّشِيطَةُ وَالْفُضُولُ
فَالْمِرْبَاعُ: رُبْعُ الْمَغْنَمِ يَأْخُذُهُ الرَّئِيسُ. وَالصَّفَايَا: جَمْعُ صَفِيٍّ. وَهُوَ مَا يَصْطَفِيهِ الرَّئِيسُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْمَغْنَمِ، وَالنَّشِيطَةُ: مَا يَغْنَمُهُ الْغُزَاةُ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ بُلُوغِهِمْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَصَدُوهُ، فَكَانَ يَخْتَصُّ بِهِ الرَّئِيسُ دُونَ غَيْرِهِ. وَالْفُضُولُ: مَا يَفْضُلُ مِنَ الْغَنِيمَةِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ.
وَكَانَتْ تَتَّخِذُ الْأَرَضِينَ تَحْمِيهَا عَنِ النَّاسِ أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا وَلَا يَرْعَوْهَا، فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِقِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ، ارْتَفَعَ حُكْمُ هَذِهِ الْبِدْعَةِ إِلَّا بَعْضُ مَنْ جَرَى فِي الْإِسْلَامِ عَلَى حُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَعَمِلَ بِأَحْكَامِ الشَّيْطَانِ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ عَلَى