بِضَالٍّ، كَيْفَ وَقَدْ قَدَّمَ الْهُدَى فَاسْتَنَارَ بِهِ فِي طَرِيقِ هَوَاهُ؟ وَهُوَ شَأْنُ الْمُؤْمِنِ التَّقِيِّ.
وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ هَوَاهُ هُوَ الْمُقَدَّمُ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، كَانَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ تَابِعَيْنِ بِالسُّنَّةِ إِلَيْهِ أَوْ غَيْرَ تَابِعَيْنِ وَهُوَ الْمَذْمُومُ.
وَالْمُبْتَدِعُ قَدَّمَ هَوَى نَفْسِهِ عَلَى هُدَى رَبِّهِ، فَكَانَ أَضَلَّ النَّاسِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَى هُدًى.
وَقَدِ انْجَرَّ هُنَا مَعْنًى يَتَأَكَّدُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ عَيَّنَتْ لِلِاتِّبَاعِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ طَرِيقَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الشَّرِيعَةُ، وَلَا مِرْيَةَ فِي أَنَّهَا عِلْمٌ وَحَقٌّ وَهُدًى.
وَالْآخَرُ: الْهَوَى، وَهُوَ الْمَذْمُومُ; لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي مَسَاقِ الذَّمِّ.
وَلَمْ يَجْعَلْ ثَمَّ طَرِيقًا ثَالِثًا، وَمَنْ تَتَبَّعَ الْآيَاتِ; أَلْفَى ذَلِكَ كَذَلِكَ.
ثُمَّ الْعِلْمُ الَّذِي أُحِيلَ عَلَيْهِ وَالْحَقُّ الَّذِي حُمِدَ إِنَّمَا هُوَ الْقُرْآنُ وَمَا نَزَلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ:
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأنعام: 143].
وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 144]