وَمِثْلُ الْحَدِيثِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ} [التوبة: 120]. . .، الْآيَةَ.
وَمِنْ ذَلِكَ الِاقْتِصَارُ مِنَ الْمَأْكُولِ عَلَى أَخْشَنِهِ وَأَفْظَعِهِ لِمُجَرَّدِ التَّشْدِيدِ لَا لِغَرَضٍ سِوَاهُ، فَهُوَ مِنَ النَّمَطِ الْمَذْكُورِ فَوْقَهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَقْصِدْ إِلَى تَعْذِيبِ النَّفْسِ فِي التَّكْلِيفِ، وَهُوَ أَيْضًا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا»؛ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَأْكُلُ الطَّيِّبَ إِذَا وَجَدَهُ، وَكَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ، وَيُعْجِبُهُ لَحْمُ الذِّرَاعِ، وَيُسْتَعْذَبُ لَهُ الْمَاءُ، فَأَيْنَ التَّشْدِيدُ مِنْ هَذَا؟.
وَلَا يَدْخُلُ الِاسْتِعْمَالُ الْمُبَاحُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20]، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِسْرَافُ الْخَارِجُ عَنْ حَدِّ الْمُبَاحِ؛ بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ.
فَإِذًا؛ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْبَشِيعِ فِي الْمَأْكَلِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ تَنَطُّعٌ، وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] الْآيَةَ.
وَمِنْ ذَلِكَ الِاقْتِصَارُ فِي الْمَلْبَسِ عَلَى الْخَشِنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ؛ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّشْدِيدِ وَالتَّنَطُّعِ الْمَذْمُومِ، وَفِيهِ أَيْضًا مِنْ قَصْدِ الشُّهْرَةِ مَا فِيهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ الْحَارِثِيِّ: " أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ