قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: " وَقَدْ زَاغَ عَنْ مَنْهَجِ الصَّوَابِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهَا رَهْبَانِيَّةٌ كُتِبَتْ عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنِ الْتَزَمُوهَا ".
قَالَ: وَلَيْسَ يَخْرُجُ هَذَا عَنْ مَضْمُونِ الْكَلَامِ، وَلَا يُعْطِيهِ أُسْلُوبُهُ وَلَا مَعْنَاهُ، وَلَا يُكْتَبُ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ إِلَّا بِشَرْعٍ أَوْ نَذْرٍ. قَالَ: وَلَيْسَ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْمِلَلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا الْقَوْلُ مُحْتَاجٌ إِلَى النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ إِذَا بَنَيْنَا الْعَمَلَ عَلَى وَفْقِهِ، إِذْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ لَا بِدْعَةَ فِيهَا، وَلَا تَحْتَمِلُ الْقَوْلَ بِجَوَازِ الِابْتِدَاعِ بِحَالٍ؛ لِلْقَطْعِ بِالدَّلِيلِ أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ـ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ ـ، فَالْأَصْلُ أَنْ يُتْبَعَ الدَّلِيلُ، وَلَا عَمَلَ عَلَى خِلَافِهِ.
وَمَعَ ذَلِكَ؛ فَلَا نُخَلِّي ـ بِحَوْلِ اللَّهِ ـ قَوْلَ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ نَظَرٍ صَحِيحٍ عَلَى وِفْقِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ بُعْدٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَدَّ عَمَلَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي جَمْعِ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ فِي رَمَضَانَ بِدْعَةً لِقَوْلِهِ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَهُمْ يُصَلُّونَ: " نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ ".
وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ إِنَّمَا سَمَّاهَا بِاعْتِبَارٍ مَا، وَأَنَّ قِيَامَ الْإِمَامِ بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ سُنَّةٌ عَمِلَ بِهَا صَاحِبُ السُّنَّةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا تَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ الِافْتِرَاضِ، فَلَمَّا انْقَضَى زَمَنُ الْوَحْيِ؛ زَالَتِ الْعِلَّةُ فَعَادَ الْعَمَلُ بِهَا إِلَى نِصَابِهِ؛ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَتَأَتَّ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ زَمَانَ خِلَافَتِهِ؛ لِمُعَارَضَةِ مَا هُوَ أَوْلَى بِالنَّظَرِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ صَدْرُ خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَتَّى تَأَتَّى النَّظَرُ، فَوَقَعَ مِنْهُ، لَكِنَّهُ صَارَ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ كَأَنَّهُ أَمْرٌ لَمْ