وَإِذَا بَنَيْنَا عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ وَهُوَ قَوْلُ فَرِيقٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ؛ فَالْمَعْنَى: مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ أَصْلًا، وَلَكِنَّهُمُ ابْتَدَعُوهَا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ، فَلَمْ يَعْمَلُوا بِهَا بِشَرْطِهَا، وَهُوَ الْإِيمَانُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ بُعِثَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً.
وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِدْعَةً عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ إِلَى أَنَّهَا بِدْعَةٌ حَقِيقِيَّةٌ ـ كَمَا تَقَدَّمَ ـ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ حَدِّ الْبِدْعَةِ.
وَالثَّانِي: يَرْجِعُ إِلَى أَنَّهَا بِدْعَةٌ إِضَافِيَّةٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَذْمُومَةً فِي حَقِّهِمْ بِإِطْلَاقٍ، بَلْ لِأَنَّهُمْ أَخَلُّوا بِشَرْطِهَا، فَمَنْ لَمْ يُخِلَّ مِنْهُمْ بِشَرْطِهَا، وَعَمَلِ بِهَا قَبْلَ بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَصَلَ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؛ حَسْبَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ} [الحديد: 27]؛ أَيْ: أَنَّ مَنْ عَمِلَ بِهَا فِي وَقْتِهَا ثُمَّ آمَنَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ بَعْثِهِ؛ وَفَّيْنَاهُ أَجْرَهُ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهَا فِي هَذَا الْوَجْهِ إِضَافِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَقِيقِيَّةً؛ لَخَالَفُوا بِهَا شَرْعَهُمُ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا حَقِيقَةُ الْبِدْعَةِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِهَا أَجْرٌ، بَلْ كَانُوا يَسْتَحِقُّونَ الْعِقَابَ؛ لِمُخَالَفَتِهِمْ لِأَوَامِرِ اللَّهِ وَنَوَاهِيهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا كَانَ جَائِزًا لَهُمْ فِعْلُهُ، فَلَا تَكُونُ بِدْعَتُهُمْ حَقِيقِيَّةً، لَكِنَّهُ يُنْظَرُ عَلَى أَيِّ مَعْنَى أُطْلِقَ عَلَيْهَا لَفْظُ الْبِدْعَةِ، وَسَيَأْتِي بَعْدُ بِحَوْلِ اللَّهِ.
وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ؛ فَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْهُ حُكْمٌ؛ لِأَنَّهُ