فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ؛ قُرِئَ بَيْنَ يَدَيْهِ: {فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ} [الحديد: 15]، تَغَيَّرَ وَارْتَعَدَ وَكَادَ يَسْقُطُ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى حَالِ صَحْوِهِ؛ سَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: يَا حَبِيبِي ضَعُفْنَا ".

وَقَالَ السُّلَمِيُّ: " دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عُثْمَانَ الْمَغْرِبِيِّ وَوَاحِدٌ يَسْتَقِي الْمَاءَ مِنَ الْبِئْرِ عَلَى بَكْرَةٍ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! تَدْرِي أَيْشٍ تَقُولُ هَذِهِ الْبَكْرَةُ؟ فَقُلْتُ: لَا. فَقَالَ: تَقُولُ اللَّهُ، اللَّهُ.

فَهَذِهِ الْحِكَايَاتُ وَأَشْبَاهُهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّمَاعَ عِنْدَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَنَّهُمْ لَا يُؤْثِرُونَ سَمَاعَ الْأَشْعَارِ عَلَى غَيْرِهَا؛ فَضْلًا عَلَى أَنْ يَتَصَنَّعُوا فِيهَا بِالْأَغَانِي الْمُطْرِبَةِ.

وَلَمَّا طَالَ الزَّمَانُ، وَبَعُدُوا عَنْ أَحْوَالِ السَّلَفِ الصَّالِحِ؛ أَخَذَ الْهَوَى فِي التَّفْرِيعِ فِي السَّمَاعِ، حَتَّى صَارَ يُسْتَعْمَلُ مِنْهُ الْمَصْنُوعُ عَلَى قَانُونِ الْأَلْحَانِ، فَتَعَشَّقَتْ بِهِ الطِّبَاعُ، وَكَثُرَ الْعَمَلُ بِهِ وَدَامَ ـ وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُمْ بِهِ الرَّاحَةَ فَقَطْ ـ؛ فَصَارَ قَذًى فِي طَرِيقِ سُلُوكِهِمْ، فَرَجَعُوا بِهِ الْقَهْقَرَى، ثُمَّ طَالَ الْأَمَدُ حَتَّى اعْتَقَدَهُ الْجُهَّالُ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَمَا قَارَبَهُ أَنَّهُ قُرْبَةٌ، وَجُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ طَرِيقَةِ التَّصَوُّفِ، وَهُوَ الْأَدْهَى.

وَقَوْلُ الْمُجِيبِ: " وَأَمَّا مَنْ دَعَا طَائِفَةً إِلَى مَنْزِلِهِ؛ فَتُجَابُ دَعْوَتُهُ، وَلَهُ (فِي دَعْوَتِهِ) قَصْدُهُ "؛ مُطَابِقٌ بِحَسَبِ مَا ذُكِرَ أَوَّلًا: بِأَنَّ مَنْ دَعَا قَوْمًا إِلَى مَنْزِلِهِ لِتَعَلُّمِ آيَةٍ أَوْ سُورَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، أَوْ سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ مُذَاكَرَةٍ فِي عِلْمٍ أَوْ فِي نِعَمِ اللَّهِ، أَوْ مُؤَانَسَةٍ فِي شِعْرٍ فِيهِ حِكْمَةٌ لَيْسَ فِيهِ غِنَاءٌ مَكْرُوهٌ وَلَا صَحِبَهُ شَطْحٌ وَلَا زِفْنٌ وَلَا صِيَاحٌ، وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ، ثُمَّ أَلْقَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015