أَنْ يَتْبَعَهُ عَلَى وَجْهٍ وَاضِحِ الْبُطْلَانِ أَوْ مُتَشَابِهٍ، فَمَا ظَنُّكَ بِهِ إِذَا اتَّبَعَ الْمُتَشَابِهَ؟!.
ثُمَّ اتِّبَاعُهُ لِلْمُتَشَابِهِ ـ وَلَوْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِرْشَادِ بِهِ لَا لِلْفِتْنَةِ بِهِ ـ؛ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ مَقْصُودًا عَلَى حَالٍ، فَمَا ظَنُّكَ بِهِ إِذَا اتَّبَعَ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ؟!.
وَهَكَذَا الْمُحْكَمُ إِذَا اتَّبَعَهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ بِهِ، فَكَثِيرًا مَا تَرَى الْجُهَّالَ يَحْتَجُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ بِأَدِلَّةٍ فَاسِدَةٍ وَبِأَدِلَّةٍ صَحِيحَةٍ؛ اقْتِصَارًا بِالنَّظَرِ عَلَى دَلِيلٍ مَا، وَاطِّرَاحًا لِلنَّظَرِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفُرُوعِيَّةِ الْعَاضِدَةِ لِنَظَرِهِ أَوِ الْمُعَارَضَةِ لَهُ.
وَكَثِيرٌ مِمَّنْ يَدَّعِي الْعِلْمَ يَتَّخِذُ هَذَا الطَّرِيقَ مَسْلَكًا، وَرُبَّمَا أَفْتَى بِمُقْتَضَاهُ وَعَمِلَ عَلَى وَفْقِهِ إِذَا كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ.
وَأَعْرَضَ مَنْ عَرَضَ لَهُ غَرَضٌ فِي الْفُتْيَا بِجَوَازِ تَنْفِيلِ الْإِمَامِ الْجَيْشَ جَمِيعَ مَا غَنِمُوا عَلَى طَرِيقَةِ " مَنْ عَزَّ بَزَّ " لَا طَرِيقَةَ الشَّرْعِ؛ بِنَاءً عَلَى نَقْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: " أَنَّهُ يَجُوزُ تَنْفِيلُ السَّرِيَّةِ جَمِيعَ مَا غَنِمَتْ "، ثُمَّ عَزَا ذَلِكَ ـ وَهُوَ مَالِكِيُّ الْمَذْهَبِ ـ إِلَى مَالِكٍ، حَيْثُ قَالَ فِي كَلَامٍ رُوِيَ عَنْهُ: " مَا نَفَلَ الْإِمَامُ فَهُوَ جَائِزٌ "، فَأَخَذَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ نَصًّا عَلَى جَوَازِ تَنْفِيلِ الْإِمَامِ الْجَيْشَ جَمِيعَ مَا غَنِمَ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ فِي النَّفْلِ إِلَى أَنَّ السَّرِيَّةَ هِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْجَيْشِ الْمُدَاخِلِ لِبِلَادِ الْعَدُوِّ لِتُغِيرَ عَلَى الْعَدُوِّ ثُمَّ تَرْجِعَ إِلَى الْجَيْشِ، لَا أَنَّ السَّرِيَّةَ هِيَ الْجَيْشُ بِعَيْنِهِ، وَلَا الْتَفَتَ إِلَيْهِ أَيْضًا إِلَى أَنَّ النَّفْلَ عِنْدَ مَالِكٍ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْخُمُسِ، لَا اخْتِلَافَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ أَعْلَمُهُ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَمَا نَفَلَ الْإِمَامُ مِنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاجْتِهَادِ.