وَقَدْ نَصَّ الْأُصُولِيُّونَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ سَمَّاهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِدْعَةً وَحَسَّنَهَا بِقَوْلِهِ: نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ بِدْعَةٌ مُسْتَحْسَنَةٌ فِي الشَّرْعِ; ثَبَتَ مُطْلَقُ الِاسْتِحْسَانِ فِي الْبِدَعِ.
فَالْجَوَابُ: إِنَّمَا سَمَّاهَا بِدْعَةً بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْحَالِ; مِنْ حَيْثُ تَرَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّفَقَ أَنْ لَمْ تَقَعْ فِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَا أَنَّهَا بِدْعَةٌ فِي الْمَعْنَى، فَمَنْ سَمَّاهَا بِدْعَةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ; فَلَا مُشَاحَةَ فِي الْأَسَامِي، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى جَوَازِ الِابْتِدَاعِ بِالْمَعْنَى الْمُتَكَلَّمِ فِيهِ; لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ:
فَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ; خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ» ".
وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوِصَالِ; رَحْمَةً بِالْأُمَّةِ; وَقَالَ: «إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي»، وَوَاصَلَ النَّاسُ بَعْدَهُ; لِعِلْمِهِمْ بِوَجْهِ عِلَّةِ النَّهْيِ حَسْبَمَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْثِلَةِ إِقَامَةُ صُوَرِ الْأَئِمَّةِ وَالْقُضَاةِ. . . . إِلَخْ مَا قَالَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْبِدَعِ بِسَبِيلٍ:
أَمَّا أَوَّلًا; فَإِنَّ التَّجَمُّلَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَالْمَنَاصِبِ الرَّفِيعَةِ مَطْلُوبٌ، وَقَدْ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةٌ يَتَجَمَّلُ بِهَا لِلْوُفُودِ، وَمِنَ الْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ أَهْيَبُ وَأَوْقَعُ فِي النُّفُوسِ التَّعْظِيمَ فِي الصُّدُورِ،