فَكَلَامُ مَالِكٍ هُنَا لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنه لَمْ يَحْفَظِ الْحَدِيثَ (?) كَمَا توهَّم بعضُهم، بَلْ لَعَلَّ كَلَامَهُ مُشْعِرٌ بأَنه يَعْلَمُهُ، لَكِنَّهُ (?) لَمْ يَرَ الْعَمَلَ عَلَيْهِ وإِن كَانَ مُسْتَحَبًّا فِي الأَصل؛ لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً لِمَا قَالَ، كَمَا فَعَلَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الأُضحية، وَعُثْمَانُ فِي الإِتمام فِي السَّفَرِ (?).
وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ مَا هُوَ أَغرب مِنْ هَذَا ـ وإِن كَانَ هُوَ الأَصل ـ، فَذَكَرَ: أَن النَّاسَ كَانُوا إِذا صَلّوا فِي الصَّحْن مِنْ جَامِعِ الْبَصْرَةِ أَو الكوفة، وَرَفَعُوا مِنَ السُّجُودِ؛ مَسَحُوا جِباهَهُمْ مِنَ التُّراب؛ كأَنه (?) كان مفروشاً بالتراب، فأَمر زياد بإِلقاءِ الحصى في صحن المسجد، وقال: لستُ آمَنُ أَن يَطُولَ (?) الزَّمَانُ، فَيَظُنُّ الصَّغِيرُ إِذا نشأَ أَن مَسْحَ الْجَبْهَةِ مِنْ أَثر السُّجُودِ سُنَّة فِي الصَّلَاةِ.
وَهَذَا فِي مُبَاحٍ، فَكَيْفَ بِهِ فِي الْمَكْرُوهِ أَو الْمَمْنُوعِ؟
وَلَقَدْ بَلَغَنِي فِي هَذَا الزَّمَانِ عَنْ بَعْضِ مَنْ هُوَ حَدِيثُ عهد بالإِسلام أَنه قال في الخمر: إِنها (?) لَيْسَتْ بحرامٍ، وَلَا عَيْبَ فِيهَا، وإِنما الْعَيْبُ أَن يُفْعَلَ بِهَا مَا لَا يصلُح؛ كَالْقَتْلِ وشِبْهِه.
وَهَذَا الِاعْتِقَادُ لَوْ كَانَ مِمَّنْ نشأَ في الإِسلام لكان (?) كُفْرًا، لأَنه إِنكارٌ لِمَا (?) عُلِمَ مِنْ دِينِ الأُمة ضَرُورَةً، وَسَبَبُ ذَلِكَ: تركُ الإِنكار مِنَ الوُلاة عَلَى شَارِبِهَا، والتَّخْلِيَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اقْتِنَائِهَا، وشهرةُ تجارة (?) أَهل الذمة فيها، وأَشباه ذلك.