يَعْتَقِدَهَا (?) بِدَعَةً، بَلْ هِيَ عِنْدَهُ مِمَّا يلحق بالمشروعات، كَقَوْلِ مِنْ جَعْلِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ يُصَامُ لأَنه يَوْمُ مَوْلِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعْلَ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الأَول مُلْحَقًا بأَيام الأَعياد لأَنه عَلَيْهِ السَّلَامُ وُلِدَ فِيهِ، وَكَمَنَ عَدَّ السَّمَاعَ وَالْغَنَاءَ مِمَّا يُتقرَّب بِهِ إِلى اللَّهِ بِنَاءً عَلَى أَنه يَجْلِبُ الأَحوال السُّنِّيَّةَ، أَو رَغِبَ فِي الدعاءِ بِهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِ فِي أَدبار الصَّلَوَاتِ دَائِمًا بِنَاءً عَلَى مَا جاءَ في ذلك حالة الوحدة، أَو زَادَ فِي الشَّرِيعَةِ أَحاديث مَكْذُوبَةً لِيَنْصُرَ فِي زَعْمِهِ سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قِيلَ لَهُ: إِنك تَكْذِبُ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ: "مِنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فليتبوأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" (?)؛ قَالَ: لَمْ أَكذب عَلَيْهِ، وإِنما كَذَبْتُ لَهُ.
أَو نَقَّصَ مِنْهَا تأْويلاً عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي ذَمِّ الْكُفَّارِ: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (?)، فأَسقط اعْتِبَارَ الأَحاديث الْمَنْقُولَةِ بِالْآحَادِ لِذَلِكَ، وَلِمَا أَشبهه (?)؛ لأَن خبر الواحد ظني (?)، فهذا كله من قبيل التأْويل.
وأَما الْمُقَلِّدُ: فَكَذَلِكَ أَيضاً؛ لأَنه يَقُولُ: فلانٌ المُقْتَدَى به يعمل بهذا العمل، أو يُفتي به (?)؛ كَاتِّخَاذِ الْغِنَاءِ جُزْءًا مِنْ أَجزاءِ طَرِيقَةِ التَّصَوُّفِ بناءً منهم عَلَى أَنَّ شُيُوخَ التَّصَوُّفِ قَدْ سَمِعُوهُ وَتَوَاجَدُوا عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَاتَ بِسَبَبِهِ، وَكَتَمْزِيقِ الثِّيَابِ عِنْدَ التَّوَاجُدِ بِالرَّقْصِ وَسِوَاهُ لأَنهم قَدْ فَعَلُوهُ، وأَكثر مَا يَقَعُ مِثْلَ هَذَا فِي هؤلاءِ المنتمين إِلى التصوف.
وربما احتجوا على بدعهم (?) بالجُنَيد، والبِسْطامي، والشِّبْلي،