ولكن الظواهر تأْبى (?) ذَلِكَ ـ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِنَ العلماءِ ـ، وَالظَّوَاهِرُ فِي الْبِدَعِ لَا تأْبى كَلَامَ الإِمام إِذا نُزِّل عَلَيْهَا ـ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ ـ فَصَارَ اعْتِقَادُ الصَّغَائِرِ فِيهَا يَكَادُ يَكُونُ مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ، كَمَا صَارَ اعتقاد نفي كراهة التَّنْزِيهُ (?) عَنْهَا مِنَ الْوَاضِحَاتِ.
فليُتَأَمَّلْ هَذَا الموضعُ أَشدّ التأَمل، ولْيُعْطَ مِنَ الإِنصاف حقَّه، وَلَا يُنظر إِلى خِفَّةِ الأَمر فِي الْبِدْعَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلى صُورَتِهَا وإِن دَقَّت، بَلْ يُنظر إِلى مُصَادَمَتِهَا لِلشَّرِيعَةِ، وَرَمْيِهَا لَهَا بِالنَّقْصِ وَالِاسْتِدْرَاكِ، وأَنها لَمْ تُكَمَّلْ بَعْدُ حَتَّى يُوضَعَ فِيهَا، بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَعَاصِي فإِنها لَا تَعُودُ عَلَى الشَّرِيعَةِ بتنقيصٍ وَلَا غضٍّ مِنْ جَانِبِهَا، بَلْ صَاحِبُ الْمَعْصِيَةِ مُتَنَصِّل مِنْهَا، مُقِرٌّ لله بمخالفته لِمُحْكَمِها (?).
وَحَاصِلُ الْمَعْصِيَةِ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ فِي فِعْلِ الْمُكَلَّفِ لِمَا يُعْتَقَدُ صِحَّتَهُ مِنَ الشَّرِيعَةِ، وَالْبِدْعَةُ حَاصِلُهَا مُخَالَفَةٌ فِي اعْتِقَادِ كَمَالِ الشَّرِيعَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنس: مِنْ أَحدث فِي هَذِهِ الأُمة شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَلَفُهَا فَقَدْ زَعَمَ أَن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم خان الرسالة، لأَن اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (?) ... ، إِلى آخِرِ الْحِكَايَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ (?).
وَمِثْلُهَا جَوَابُهُ لِمَنْ أَراد أَن يُحْرِمَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَقَالَ: أَي فِتْنَةٍ فِي هَذَا (?)؟ إِنما هِيَ أَميال أَزيدها. فَقَالَ: وأَي فِتْنَةٍ أَعظم مِنْ أَن تَظُنَّ أَنك فَعَلْتَ فِعْلًا قَصَّرَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ... ، إِلى آخِرِ الْحِكَايَةِ، وقد تقدمت أَيضاً (?).