وَفِي رِوَايَةٍ: نُهينا عَنِ التكلُّف (?) (?).
وَجَاءَ فِي قِصَّةِ صَبيغ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ: أَنه ضَرَبَهُ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَراد أَن يَضْرِبَهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ لَهُ صَبيغ: إِن كُنْتَ تُرِيدُ قَتْلِي فَاقْتُلْنِي قَتْلًا جَمِيلًا، وإِن كُنْتَ تُرِيدُ أَن تُدَاوِيَنِي فَقَدْ وَاللَّهِ بَرِئْتُ. فأَذن لَهُ إِلى أَرضه، وَكَتَبَ إِلى أَبي مُوسَى الأَشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَن لَا يُجَالِسَهُ أَحد مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ، فَكَتَبَ أَبو مُوسَى إِلى عُمَرَ: أَن قَدْ حَسُنت هيئته (?)، فكتب عَمَرُ: أَن يأْذن لِلنَّاسِ بِمُجَالَسَتِهِ (?).
وَالشَّوَاهِدُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَن الهيِّن عِنْدَ النَّاسِ مِنَ الْبِدَعِ شديدٌ وَلَيْسَ بهيِّن، {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (?).
وأَما كَلَامُ الْعُلَمَاءِ: فإِنهم وإِن أَطلقوا الْكَرَاهِيَةَ فِي الأُمور الْمَنْهِيِّ عَنْهَا؛ لَا يَعْنُونَ بِهَا كَرَاهِيَةَ (?) التَّنْزِيهِ فَقَطْ، وإِنما هَذَا اصْطِلَاحٌ للمتأَخرين (?) حين أَرادوا أَن يفرِّقوا بين القَبِيلَيْن، فَيُطْلِقُونَ لَفْظَ الْكَرَاهِيَةِ عَلَى كَرَاهِيَةِ التَّنْزِيهِ فَقَطْ، ويخصّون كراهية التحريم بلفظ التحريم، أو المنع، وأَشباه ذلك.
وأَما المتقدمون من السلف: فإِنه لَمْ يَكُنْ مِنْ شأْنهم فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ صَرِيحًا أَن يَقُولُوا: هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ، وَيَتَحَامَوْنَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ خَوْفًا مِمَّا فِي الْآيَةِ مِنْ قَوْلِهِ: {وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ