وَهَذَا الْقَتْلُ مُحْتَمَلٌ (?) أَن يَكُونَ دِينًا وَشِرْعَةً ابْتَدَعُوهَا، وَيُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ عَادَةً تعوَّدوها (?)، بِحَيْثُ لَمْ يَتَّخِذُوهَا شِرْعَةً، إِلا أَن اللَّهَ تَعَالَى (?) ذمَّهم عَلَيْهَا، فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهَا بِالْبِدْعَةِ بَلْ بِمُجَرَّدِ الْمَعْصِيَةِ، فَنَظَرْنَا هَلْ نَجِدُ لأَحد المُحْتَمَلَيْن عَاضِدًا يَكُونُ هُوَ الأَولى (?) فِي حَمْلِ الْآيَاتِ عَلَيْهِ؟ فَوَجَدْنَا قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} (?)، فإِن الْآيَةَ صرَّحت أَن لِهَذَا التَّزْيِينِ سَبَبَيْنِ: أَحدهما: الإِرداءُ وَهُوَ الإِهلاك، وَالْآخَرُ: لَبْس الدِّينِ، وهو قوله: {وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ}، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلا بِتَغْيِيرِهِ وَتَبْدِيلِهِ، أَو الزِّيَادَةِ فِيهِ، أَو النُّقْصَانِ مِنْهُ، وَهُوَ الِابْتِدَاعُ بِلَا إِشكال، وإِنما كَانَ دِينُهُمْ أَولاً دينَ أَبيهم إِبراهيم (?)؛ فَصَارَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا بَدَّلُوا فِيهِ، كالبَحيرة، والسَّائبة، ونَصْب الأَصنام، وَغَيْرِهَا، حَتَّى عُدَّ مِنْ جُمْلَةِ دِينِهِمُ الَّذِي يَدِينُونَ بِهِ.
وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدُ: {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}، فَنَسَبَهُمْ إِلى الافتراءِ ـ كَمَا تَرَى ـ، وَالْعِصْيَانُ مِنْ حيث هو عصيان لا يكون افتراءاً، وإِنما يقع الافتراءُ في نفس التشريع، وفي أَن هَذَا الْقَتْلَ مِنْ جُمْلَةِ مَا جاءَ مِنَ الدِّينِ. وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى عَلَى إِثر ذَلِكَ: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا} (?)، فَجَعَلَ قَتْلَ الْأَوْلَادِ مَعَ تَحْرِيمِ مَا أَحل اللَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الِافْتِرَاءِ، ثُمَّ خَتَمَ بِقَوْلِهِ: {قَدْ ضَلُّوا}، وَهَذِهِ خاصِّيَّة الْبِدْعَةِ ـ كَمَا تَقَدَّمَ ـ، فإِذاً ما فعلت الهند نحوٌ مما فعلت الجاهلية. وسيأْتي ذكر (?) مَذْهَبُ الْمَهْدِيِّ الْمَغْرِبِيِّ فِي شَرْعِيَّةِ الْقَتْلِ.
عَلَى (?) أَن بَعْضَ الْمُفَسِّرِينَ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ