قَالَ ابْنُ رُشْدٍ (?): يُرِيدُ التِزَام (?) القراءَة فِي الْمَسْجِدِ بإِثر صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ عَلَى (?) وَجْهٍ مَّا مَخْصُوصٌ حَتَّى يَصِيرَ ذَلِكَ كُلُّهُ (?) سُنَّةً، مِثْلَ مَا بِجَامِعِ (?) قُرْطُبَةَ إِثر صَلَاةِ الصُّبْحِ. قَالَ: فرأَى ذَلِكَ بِدْعَةً.
فَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ: "وَالْقُرْآنُ حَسَنٌ" يَحْتَمَلُ أَن يُقَالَ: إِنه يَعْنِي أَن تِلْكَ الزِّيَادَةَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ، وَجَعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ مُنْفَصِلٌ لَا يَقْدَحُ فِي حُسْنِ قراءَة الْقُرْآنِ، وَيَحْتَمَلُ ـ وَهُوَ الظَّاهِرُ ـ أَنه يَقُولُ: قراءَة (?) القرآن (?) حسن على غير هذا (?) الوجه، لا على هذا الْوَجْهِ (?)؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (?): "مَا يُعْجِبُنِي أَن يقرأَ الْقُرْآنُ إِلا فِي الصَّلَاةِ وَالْمَسَاجِدِ، لَا فِي الأَسواق والطُّرُق"، فَيُرِيدُ أَنه لا يقرأُ إِلا على النحو الذي كان يَقْرَؤُهُ السَّلَفُ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قراءَة الإِدارة مَكْرُوهَةٌ عِنْدَهُ فَلَا تُفعل أَصلاً، وتحرَّزَ بقوله: "والقرآن حسن" من توهُّم مُتَوهِّم (?) أَنه يَكره قراءَة الْقُرْآنِ مُطْلَقًا، فَلَا يَكُونُ فِي كَلَامِ مَالِكٍ دَلِيلٌ عَلَى انْفِكَاك الِاجْتِمَاعِ مِنَ القراءَة، وَاللَّهُ أَعلم.
وأَما الْقِسْمُ الثَّالِثُ ـ وَهُوَ أَن يَصِيرَ الوَصْف عُرْضَةً لِأَنْ يَنْضَمَّ إِلى الْعِبَادَةِ حَتَّى يُعتقد فِيهِ أَنه مِنْ أَوصافها أَو جزءٌ مِنْهَا ـ: فَهَذَا الْقِسْمُ يُنْظَرُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ النَّهْيِ عَنِ الذَّرائع، وَهُوَ وإِن كَانَ فِي الْجُمْلَةِ مُتَّفِقًا عَلَيْهِ، فَفِيهِ فِي التَّفْصِيلِ نِزَاعٌ بَيْنَ العلماءِ؛ إِذ لَيْسَ كُلُّ ما هو ذَريعة إِلى ممنوع يُمْنَع،