ثُمَّ نَقُولُ: إِن العلماءَ يَقُولُونَ فِي مِثْلِ الدعاءِ وَالذِّكْرِ الْوَارِدِ عَلَى إِثْرِ الصَّلَاةِ: إِنه مُسْتَحَبٌّ، لَا سُنَّةٌ وَلَا وَاجِبٌ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَمرين:

أَحَدُهُمَا: أَن هَذِهِ الأَدعية لَمْ تكن منه عليه السلام عَلَى الدَّوَامِ.

وَالثَّانِي: أَنه لَمْ يَكُنْ يَجْهَرُ بِهَا دَائِمًا، وَلَا يُظْهِرُهَا لِلنَّاسِ فِي غَيْرِ مُوَاطِنِ التَّعْلِيمِ، إِذ لَوْ كَانَتْ عَلَى الدَّوَامِ وَعَلَى الإِظهار لَكَانَتْ سُنَّةً، وَلَمْ يسعِ العلماءَ أَن يقولوا فيها بغير السنة، إِذ خاصية السنة (?) ـ حَسْبَمَا ذَكَرُوهُ ـ: الدَّوَامُ والإِظهار فِي مَجَامِعِ النَّاسِ. وَلَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ دُعَاؤُهُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ سِرًّا لَمْ يُؤْخَذْ عَنْهُ، لأَنا نَقُولُ: مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ الإِسرار فَلَا بُدَّ أَن يَظْهَرَ منه، أَو يظهر منه وَلَوْ مَرَّةً، إِما بِحُكْمِ الْعَادَةِ، وإِما (?) بِقَصْدِ التَّنْبِيهِ عَلَى التَّشْرِيعِ.

فإِن قِيلَ: ظَوَاهِرُ الأَحاديث (?) تدل على الدوام (?)؛ بِقَوْلِ الرُّوَاةِ: "كَانَ يَفْعَلُ"، فإِنه يَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ؛ كَقَوْلِهِمْ: "كَانَ حَاتِمٌ يُكْرِمُ الضِّيفَانِ". قُلْنَا: ليس كذلك، بل تطلق (?) على الدوام، وعلى الكثرة (?) وَالتَّكْرَارِ عَلَى الْجُمْلَةِ، كَمَا جاءَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ (?).

وَرَوَتْ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ من غير أَن يَمَسَّ ماء (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015