فَصْلٌ

ثَبَتَ بِمَضْمُونِ هَذِهِ الْفُصُولِ المتقدِّمة آنِفًا أَنَّ الحَرَج مَنْفِيٌّ عَنِ الدِّينِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا؛ وإِن كَانَ قَدْ ثَبَتَ أَيْضًا فِي الأُصول الْفِقْهِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ مِنَ الْبُرْهَانِ أَبْلَغَ، فَلْنَبْنِ عليه فنقول:

قد فهم قوم من أحوال (?) السَّلَفِ الصَّالِحِ وأَهل الِانْقِطَاعِ إِلى اللَّهِ ـ مِمَّنْ ثبتت وِلَايَتُهُمْ ـ أَنَّهُمْ كَانُوا يشدِّدون عَلَى أَنفسهم، ويُلزمون غيرهم الشدَّة أيضاً، فأقرّ هؤلاء الشدَّة (?) وَالْتِزَامَ (?) الحَرَج دَيْدَناً فِي سُلُوكِ طَرِيقِ الْآخِرَةِ، وعَدُّوا (?) مَنْ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ هَذَا الِالْتِزَامِ (?) مقصِّراً مَطْرُودًا (?) وَمَحْرُومًا وربَّما فَهِمُوا ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ الإِطلاقات الشَّرْعِيَّةِ، فرشَّحوا (?) بِذَلِكَ مَا الْتَزَمُوهُ، فأَفضى الأَمر بِهِمْ إِلى الْخُرُوجِ عَنِ السُّنَّةِ إِلى الْبِدْعَةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَو الإِضافية.

فَمِنْ ذَلِكَ: أَن يَكُونَ للمُكَلَّف طَرِيقَانِ فِي سُلُوكِهِ لِلْآخِرَةِ: أَحدهما: سَهْلٌ، وَالْآخِرُ صَعْبٌ، وَكِلَاهُمَا فِي التوصُّل إِلى الْمَطْلُوبِ عَلَى حدٍّ وَاحِدٍ؛ فيأْخذ بَعْضُ الْمُتَشَدِّدِينَ بِالطَّرِيقِ الأَصعب الَّذِي يشقُّ عَلَى المكلَّف مثلُه، وَيَتْرُكُ الطَّرِيقَ الأَسهل؛ بِنَاءً عَلَى التَّشْدِيدِ على النفس، كالذي يجد للطهارة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015