وَقَالَ قَتَادَةُ: أَخْلِصْ لَهُ الْعِبَادَةَ وَالدَّعْوَةَ (?).
فَعَلَى هذا التفسير لا مُتَعَلَّق (?) فيها لمَوْرِدِ السؤال.
وإِذا تَقَرَّرَ هَذَا فَالْفِرَارُ مِنَ الْعَوَارِضِ بِالسِّيَاحَةِ (?)، وَاتِّخَاذُ الصَّوَامِعِ، وسُكْنَى الْجِبَالِ وَالْكُهُوفِ؛ إِن كَانَ عَلَى شَرْطِ أَن لَا يُحرِّموا مَا أَحل اللَّهُ مِنَ الأُمور الَّتِي حَرَّمها الرُّهبان، بَلْ عَلَى حدِّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ (?) فِي الحَوَاضِر (?) ومَجَامع النَّاسِ، لَا يشدِّدون عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمِقْدَارِ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ، فَلَا إِشكال فِي صِحَّةِ هَذِهِ الرَّهْبَانِيَّةِ، غَيْرَ أَنها لَا تُسَمَّى رَهْبَانِيَّةً إِلا بنوعٍ مِنَ المَجَاز، أَو النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ الَّذِي لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ مُعْتَادُ اللُّغَةِ، فَلَا تَدْخُلُ في مقتضى قوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً (?) ابْتَدَعُوهَا} (?)، لَا فِي الِاسْمِ، وَلَا فِي الْمَعْنَى.
وإِن كان على التزام ما التزمه الرهبان المتقدمون (?)، فَلَا نسلِّم أَنه فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ مَنْدُوبٌ إِليه ولا مباح، بل هو مما لا يجوز؛ لأَنه كالتشريع (?) بِغَيْرِ شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يَنْتَظِمُهُ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خيرُ مالِ الْمُسْلِمِ غنماً يَتْبَعُ بها شَعَفَ الْجِبَالِ، وَمَوَاقِعَ القَطْر، يَفِرّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ" (?)، وإِنما ينتظمه معنى قوله عليه السلام (?): "مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" (?).
وأَما مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ تَفْضِيلِهِ الْعُزْلَةَ على المخالطة، وترجيح العُزْبَةِ على اتّخاذ الأَهل (?) عِنْدَ اعْتِوَارِ (?) الْعَوَارِضِ، فَذَلِكَ (?) يُسْتَمَدّ مَنْ أَصلٍ آخر، لا من هنا.