وَفِي هَذَا الْقِسْمِ جاءَ التَّحْرِيضُ عَلَى الدَّوَامِ صَرِيحًا، وَمِنْهُ كَانَ جَمْعُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النَّاسَ فِي رَمَضَانَ فِي الْمَسْجِدِ (?)، وَمَضَى عَلَيْهِ النَّاسُ؛ لأَنه كَانَ أَولاً سُنَّةً ثَابِتَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (?)، ثُمَّ إِنه أَقام لِلنَّاسِ بِمَا كَانُوا قَادِرِينَ عَلَيْهِ وَمُحِبِّينَ فِيهِ، وَفِي شَهْرٍ وَاحِدٍ مِنَ السَّنَةِ لَا دَائِمًا، وَمَوْكُولًا إِلى اخْتِيَارِهِمْ؛ لأَنه قَالَ: وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفضل.
وَقَدْ فَهِمَ السَّلَفُ الصَّالِحُ أَن الْقِيَامَ فِي الْبُيُوتِ أَفضل، فَكَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ (?) يَنْصَرِفُونَ فَيَقُومُونَ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ: "نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ! "، فأَطلق عَلَيْهَا لَفْظَ الْبِدْعَةِ ـ كَمَا تَرَى ـ نَظَرًا ـ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ـ إِلى اعْتِبَارِ الدَّوَامِ، وإِن كَانَ شهراً في السنة، أَو أَنه (?) لَمْ يَقَعْ فِيمَنْ قَبْلَهُ عَمَلًا دَائِمًا، أَو أَنه أَظهره فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ مُخَالِفًا لِسَائِرِ النَّوَافِلِ، وإِن كَانَ ذَلِكَ فِي أَصله وَاقِعًا (?) كَذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْقِيَامِ عَلَى الْخُصُوصِ وَاضِحًا قَالَ: "نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ! "، فَحَسَّنَهَا بِصِيغَةِ "نِعْم" الَّتِي تَقْتَضِي مِنَ الْمَدْحِ مَا تَقْتَضِيهِ (?) صِيغَةُ التَّعَجُّبِ؛ لَوْ قَالَ: مَا أَحسنها مِنْ بِدْعَةٍ! وَذَلِكَ يُخْرِجُهَا قَطْعًا عَنْ كَوْنِهَا بِدْعَةً.
وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى جَرَى كَلَامُ أَبي أُمامة رضي الله عنه (?) مستشهداً