السِّياحة. قَالَ: وَهُوَ مَنْدُوبٌ إِليه فِي دِينِنَا عِنْدَ فَسَادِ الزَّمَانِ (?).
وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي (?) أَنها بِدْعَةٌ؛ لأَن الَّذِينَ ترهَّبوا قَبْلَ الْإِسْلَامِ إِنما فَعَلُوا ذلك فراراً منهم بدينهم، ثم سُمِّيت (?) بِدْعَةً، وَالنَّدْبُ إِليها يَقْتَضِي أَن لَا ابْتِدَاعَ (?) فِيهَا، فَكَيْفَ يَجْتَمِعَانِ؟ وَلَكِنْ للمسأَلة فِقْهُ (?) يُذكر بحول الله.
وقيل: إِن قوله (?) تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} معناه (?): أَنهم تَرَكُوا الْحَقَّ، وَأَكَلُوا لُحُومَ الْخَنَازِيرِ، وَشَرِبُوا الْخَمْرَ، وَلَمْ يَغْتَسِلُوا مِنْ جَنَابَةٍ، وَتَرَكُوا الْخِتَانَ، {فَمَا رَعَوْهَا} يعني: الطاعة والملة {حَقَّ رِعَايَتِهَا}، فالهاءُ رَاجِعَةٌ إِلى غَيْرِ مَذْكُورٍ، وَهُوَ الْمِلَّةُ الْمَفْهُومُ (?) مَعْنَاهَا مِنْ قَوْلِهِ: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً}؛ لأَنه يَفْهَمُ مِنْهُ أَن ثَمَّ مِلَّةٌ مُتَّبَعَةٌ؛ كَمَا دَلَّ (?) قَوْلُهُ: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ *} (?) على معنى (?) الشَّمْسِ، حَتَّى عَادَ عَلَيْهَا (?) الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {حَتَّى (?) تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} (?)، وَكَانَ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ عَلَى هَذَا (?) الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلُوهُ، وإِنما أَمرناهم بِالْحَقِّ، فَالْبِدْعَةُ فِيهِ إِذاً حَقِيقِيَّةٌ لَا إِضافية، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، فَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي قَالَ بِهِ أَكثر الْعُلَمَاءِ، فَلَا نَظَرَ فيه بالنسبة إِلى هذه الأُمة.