إِلا أَن هَذَا التَّقْرِيرَ يَقْتَضِي أَن الْمَشْرُوعَ لَهُمْ يُسَمَّى (?) ابْتِدَاعًا، وَهُوَ خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدُّ الْبِدْعَةِ.

وَالْجَوَابُ أَنه يُسَمَّى (?) بِدْعَةً مِنْ حَيْثُ أَخلّوا بِشَرْطِ الْمَشْرُوعِ، إِذ شَرَطَ عليهم فيه شرط (?) فَلَمْ يَقُومُوا بِهِ. وإِذا كَانَتِ الْعِبَادَةُ مَشْرُوطَةً بشرط فعُمِلَ (?) بِهَا دُونَ شَرْطِهَا لَمْ تَكُنْ عِبَادَةً عَلَى وَجْهِهَا وَصَارَتْ بِدْعَةً، كَالْمُخِلِّ قَصْدًا بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ؛ مِثْلَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، أَو الطَّهَارَةِ، أَو غيرها، بحيث (?) عَرَفَ بِذَلِكَ وعَلِمَه فَلَمْ يَلْتَزِمْهُ، ودأَب عَلَى الصَّلَاةِ دُونَ شَرْطِهَا، فَذَلِكَ الْعَمَلُ مِنْ قَبِيلِ الْبِدَعِ. فَيَكُونُ ترهُّب النَّصَارَى صَحِيحًا قَبْلَ بَعْثِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ (?) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بُعث وَجَبَ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ كلِّه إِلى مِلَّتِهِ، فالبقاءُ عَلَيْهِ مَعَ نَسْخِهِ بَقَاءً عَلَى مَا هُوَ بَاطِلٌ بِالشَّرْعِ، وَهُوَ عَيْنُ الْبِدْعَةِ.

وإِذا بَنَيْنَا عَلَى أَن الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ ـ وَهُوَ قَوْلُ فَرِيقٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ ـ، فَالْمَعْنَى: مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ أَصلاً؛ وَلَكِنَّهُمُ (?) ابْتَدَعُوهَا ابتغاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ، فَلَمْ يَعْمَلُوا بِهَا بِشَرْطِهَا، وَهُوَ الإِيمان بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إِذ بُعث إِلى النَّاسِ كَافَّةً.

وإِنما سُمِّيَتْ بِدْعَةً عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لأَمرين:

أَحدهما: يَرْجِعُ إِلى أَنها بِدْعَةٌ حَقِيقِيَّةٌ ـ كَمَا تَقَدَّمَ ـ؛ لأَنها دَاخِلَةٌ تَحْتَ حَدِّ الْبِدْعَةِ.

وَالثَّانِي: يَرْجِعُ إِلى أَنها بِدْعَةٌ إِضافية؛ لأَن ظَاهِرَ الْقُرْآنِ دَلَّ عَلَى أَنها لَمْ تَكُنْ مَذْمُومَةً فِي حَقِّهِمْ بِإِطْلَاقٍ، بَلْ لأَنهم أَخلّوا بِشَرْطِهَا، فَمَنْ لَمْ يُخِلَّ مِنْهُمْ بِشَرْطِهَا، وَعَمَلِ (?) بِهَا قَبْلَ بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصَلَ لَهُ فِيهَا أجر،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015