وَهِيَ (?) حَالَةُ السَّلَف الأوَّلين ـ كَمَا تَقَدَّمَ ـ. فإِذا رأَيت أَحداً سَمِعَ مَوْعِظَةً ـ أَيّ مَوْعِظَةٍ كَانَتْ ـ؛ فظهر (?) عَلَيْهِ مِنَ الأَثر مَا ظَهَرَ عَلَى السَّلَفِ الصَّالِحِ؛ عَلِمْتَ أَنها رِقَّةٌ هِيَ أَوّل الوَجْد، وأَنها صَحِيحَةٌ لَا اعْتِرَاضَ فِيهَا.
وإِذا رأَيت أَحداً سَمِعَ مَوْعِظَةً قُرْآنِيَّةً أَو سُنِّية أَو حِكَمِيَّة فَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْآثَارِ شيء، حتى يسمع شعراً مترنّماً (?) به (?)، أَو غِنَاءً مُطْرِبًا فتأَثَّر؛ فإِنه لَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ فِي الْغَالِبِ مِنْ تِلْكَ الْآثَارِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ انْزِعَاجٌ بِقِيَامٍ، أَو دَوَرَانٍ، أَو شَطح، أَو صِيَاحٍ، أَو مَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ. وَسَبَبُهُ: أَن الَّذِي حلَّ بِبَاطِنِهِ لَيْسَ بالرِّقَّة الْمَذْكُورَةِ أَوّلاً، بَلْ هُوَ الطَّرَبُ الَّذِي يُنَاسِبُ الغناءَ؛ لأَن الرِّقَّة ضِدُّ الْقَسْوَةِ ـ كَمَا تَقَدَّمَ ـ، وَالطَّرَبُ ضِدُّ الْخُشُوعِ ـ كَمَا يَقُولُهُ الصُّوفِيَّةُ ـ، وَالطَّرَبُ مُنَاسِبٌ لِلْحَرَكَةِ؛ لأَنه ثَوَرَانُ الطِّبَاعِ، وَلِذَلِكَ اشترك مع الإِنسان فيه الحيوان (?)؛ كالإِبل والخيل (?)؛ وَمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ مِنَ الأَطفال، وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَالْخُشُوعُ ضِدُّه؛ لأَنه رَاجِعٌ إِلى السُّكُون، وَقَدْ فُسِّر بِهِ لُغَةً، كَمَا فُسِّر الطَّرَب بأَنه خِفّة تصيب (?) الإِنسان مِنْ حُزْنٍ، أَو سُرُورٍ.