وَعَنِ ابْنِ أَبي لَيْلَى: أَنه قرأَ سُورَةَ مَرْيَمَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى السَّجْدَةِ: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (?)، فَسَجَدَ بِهَا، فَلَمَّا رَفَعَ رأُسه قَالَ: هَذِهِ السَّجْدَةُ قَدْ سَجَدْنَاهَا، فأَين البكاءُ؟ (?).
إِلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ الدالَّة عَلَى أَنَّ أَثَرَ الْمَوْعِظَةِ الَّذِي يَكُونُ بِغَيْرِ تصنُّع إِنَّمَا هُوَ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ وَمَا أَشْبَهَهَا.
وَمِثْلُهُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (?) ـ ذكره بعض المفسرين ـ، وذلك أنهم (?) لَمَّا أَلقى اللَّهُ الإِيمان فِي قُلُوبِهِمْ؛ حَضَرُوا عِنْدَ مَلِكِهِمْ دِقْيَانُوسَ الْكَافِرِ، فتحرَّكت فأْرة أَو هِرَّة خاف لأَجلها الملك، فنظر الفتية بعضهم إِلى بَعْضٍ، وَلَمْ يَتَمَالَكُوا أَن (?) قَامُوا مصرِّحين بِالتَّوْحِيدِ، مُعْلِنِين بِالدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ، مُنْكِرِينَ عَلَى الْمَلِكِ (?) نِحْلَةَ الْكُفْرِ، باذِلين أَنفسهم فِي ذَاتِ اللَّهِ، فأَوعدهم، ثم أجّلهم (?)، فَتَوَاعَدُوا الْخُرُوجَ إِلَى الْغَارِ، إِلَى أَن كَانَ مِنْهُمْ مَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ. فليس في شيءٍ من (?) ذَلِكَ صَعْقٌ وَلَا صِياح (?)، وَلَا شَطح، وَلَا تَغَاشٍ مُسْتَعْمَلٌ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ شأْن فقرائنا اليوم.