كانوا قد بَنَوْا نِحْلَتَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أُصول: الِاقْتِدَاءُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأَخلاق والأَفعال، وأَكل الْحَلَالِ، وإِخلاص النِّيَّةِ فِي جَمِيعِ الأَعمال، وهؤلاء قد خالفوهم في جميع (?) هذه الأُصول، فلم يُمْكِنُهُمُ الدُّخُولُ تَحْتَ تَرْجَمَتِهِمْ.
وَكَانَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ سأَل بَعْضَ شُيُوخِ الوقت في مسأَلة تشبه هذه، ولكن (?) حَسَّن ظَاهِرَهَا بِحَيْثُ يَكَادُ بَاطِنُهَا يَخْفَى عَلَى غَيْرِ المتأَمِّل، فأَجاب عَفَا اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مُقْتَضَى ظَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ تعرُّض إِلى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَاتِ، وَلَمَّا سَمِعَ بَعْضُهُمْ بِهَذَا الْجَوَابِ أَرسل بِهِ (?) إِلى بَلْدَةٍ أُخرى، فأُتي بِهِ، فَرَحَلَ إِلى غَيْرِ بَلَدِهِ وَشَهَرَ فِي شِيعَتِهِ أَن بِيَدِهِ حُجَّةً لِطَرِيقَتِهِمْ تَقْهَرُ كُلَّ حُجَّةٍ، وأَنه طَالِبٌ لِلْمُنَاظَرَةِ فِيهَا، فدُعيَ لِذَلِكَ، فَلَمْ يَقُمْ فِيهِ وَلَا قَعَدَ، غير أَنه قال: هَذِهِ (?) حُجَّتِي، وأَلقى بِالْبِطَاقَةِ الَّتِي بِخَطِّ الْمُجِيبِ، وكان هو وَأَشْيَاعُهُ (?) يَطِيرُونَ بِهَا فَرَحًا، فَوَصَلَتِ المسأَلة إِلى غَرْنَاطَةَ، وطُلب مِنَ الْجَمِيعِ النَّظَرُ فِيهَا، فَلَمْ يَسَعْ أَحَدًا (?) لَهُ قُوَّةٌ عَلَى النَّظَرِ فِيهَا إلاَّ (?) أَن يُظْهِرَ وَجْهَ الصَّوَابِ فِيهَا (?) الَّذِي يُدَانُ اللَّهُ بِهِ؛ لأَنه مِنَ النَّصِيحَةِ الَّتِي هِيَ الدِّينُ الْقَوِيمُ، وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ.
وَنَصُّ خُلَاصَةِ السُّؤَالِ: مَا يَقُولُ الشَّيْخُ فُلَانٌ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَجْتَمِعُونَ فِي رِبَاطٍ عَلَى ضَفَّةِ البحر في الليالي الفاضلة، يقرؤُون جُزْءًا مِنَ الْقُرْآنِ، وَيَسْتَمِعُونَ مِنْ كُتُبِ الْوَعْظِ وَالرَّقَائِقِ مَا أَمكن فِي الْوَقْتِ، وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ بأَنواع التَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ، ثُمَّ يَقُومُ مِنْ بَيْنِهِمْ قوَّالٌ يَذْكُرُ شَيْئًا فِي مَدْحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُلْقِي مِنَ السَّمَاعِ مَا تَتُوق النَّفْسُ إِليه (?) وَتَشْتَاقُ سَمَاعَهُ؛ مِنْ