تَجِدُ (?) فِرْقَةً تَنْقُضُ مَذْهَبَهَا بِنَفْسِ الْمَذْهَبِ سِوَى هذه الفرقة (?) الَّتِي هِيَ الْبَاطِنِيَّةُ؛ إِذ مَذْهَبُهَا إِبطال النَّظَرِ، وتغيير الأَلفاظ عن موضوعاتها (?) بِدَعْوَى الرَّمْزِ، وَكُلُّ مَا يُتَصَوَّرُ أَن تَنْطِقَ بِهِ أَلسنتهم فإِما نَظَرٌ أَو نَقْلٌ، أَما النظر فقد أَبطلوه، وأَما النقل فَقَدْ جوَّزوا أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ غَيْرُ مَوْضُوعِهِ، فَلَا يَبْقَى لَهُمْ مُعْتَصِمٌ (?)، وَالتَّوْفِيقُ بِيَدِ اللَّهِ.

وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي "الْعَوَاصِمِ" (?) مأْخذاً آخَرَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ أَسهل مِنْ هَذَا ـ وَقَالَ: إِنهم (?) لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهِ ـ، وَهُوَ أَن يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ مَا يَدْعُونَهُ السُّؤَالَ بِـ"لِمَ؟ " خَاصَّةً، فَكُلُّ مَنْ وَجَّهْتَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ سُقِطَ فِي يَدِهِ، وَحَكَى فِي ذَلِكَ حكاية ظريفة يحسن موقعها هاهنا (?).

قال ابن العربي (?): خَرَجْتُ مِنْ بِلَادِي عَلَى الْفِطْرَةِ، فَلَمْ أَلْقَ في طريقي إلا مهتدياً، حتى بَلَغْتُ هَذِهِ الطَّائِفَةَ ـ يَعْنِي الْإِمَامِيَّةَ وَالْبَاطِنِيَّةَ مِنْ فرق الشيعة ـ، فهي أول بدعة لقيت، فلو فجأتني بدعة مشتبهة كالقول بخلق القرآن، أَوْ نَفْيِ الصِّفَاتِ، أَوِ الْإِرْجَاءِ؛ لَمْ آمَنْ الشيطان. فَلَمَّا رَأَيْتُ حَمَاقَاتِهِمْ أَقَمْتُ عَلَى حَذَرٍ، وَتَرَدَّدْتُ فِيهَا عَلَى أَقْوَامٍ أَهْلِ عَقَائِدَ سَلِيمَةٍ، وَلَبِثْتُ بَيْنَهُمْ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الشَّامِ فوردت بيت المقدس، فألفيت فيها ثمانياً وعشرين حلقة ومدرستين: مدرسة للشافعية بباب الأسباط، وأخرى للحنفية، وكان فيه من رؤوس العلماء، ورؤوس الْمُبْتَدِعَةِ، وَمِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَثِيرٌ، فَوَعَيْتُ الْعِلْمَ، وَنَاظَرْتُ كُلَّ طَائِفَةٍ بِحَضْرَةِ شَيْخِنَا أَبِي بكر الفهري وغيره من أهل السنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015