وَيُرَشِّحُ ذَلِكَ (?) أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} (?) يشعر بإطلاق اللفظ على من فعل (?) ذَلِكَ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ التَّفْرِيقُ، وَلَيْسَ إِلَّا الْمُخْتَرِعُ أَوْ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} (?)، وقوله تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} (?)، فَإِنَّ اتِّبَاعَ الْمُتَشَابِهِ مُخْتَصٌّ بِمَنِ انْتَصَبَ مَنْصِبَ الْمُجْتَهِدِ (?) لَا بِغَيْرِهِمْ (?).
وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عالم اتخذ الناس رؤوساً (?) جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم" (?)، فأقاموا (?) أَنْفُسَهُمْ مَقَامَ الْمُسْتَنْبِطِ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، الْمُقْتَدَى (?) بِهِ فِيهَا، بِخِلَافِ الْعَوَامِّ، فَإِنَّهُمْ مُتَّبِعُونَ لِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَ عُلَمَائِهِمْ، لِأَنَّهُ (?) فَرْضُهُمْ، فَلَيْسُوا بِمُتَّبِعِينَ لِلْمُتَشَابِهِ حَقِيقَةً، وَلَا هُمْ مُتَّبِعُونَ لِلْهَوَى. وَإِنَّمَا يَتَّبِعُونَ مَا يُقَالُ لَهُمْ كَائِنًا مَا كَانَ، فَلَا يُطْلَقُ عَلَى الْعَوَامِّ لَفْظُ "أَهْلِ الْأَهْوَاءِ" حَتَّى يخوضوا بأنظارهم فيها، ويحسنوا بها (?) وَيُقَبِّحُوا. وَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ لِلَفْظِ "أَهْلِ الْأَهْوَاءِ" و"أهل البدع" مدلول واحد، وهو من (?) انتصب للابتداع ولترجيحه على غيره.
أما (?) أهل الغفلة عن ذلك، والسالكون سبيل (?) رُؤَسَائِهِمْ (?) بِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ، فَلَا (?).