وَقَدْ عَلِمْتَ أَيُّهَا النَّاظِرُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا يَقْضِي بِهِ الْعَقْلُ يَكُونُ حَقًّا (?)، وَلِذَلِكَ تَرَاهُمْ يَرْتَضُونَ الْيَوْمَ مَذْهَبًا، وَيَرْجِعُونَ عَنْهُ (?) غَدًا، (ثُمَّ يَصِيرُونَ بَعْدَ غَدٍ) (?) إِلَى رَأْيٍ ثَالِثٍ. وَلَوْ كَانَ كُلُّ مَا يَقْضِي بِهِ حَقًّا (?) لَكَفَى فِي إِصْلَاحِ مَعَاشِ الْخَلْقِ وَمَعَادِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِبَعْثَةِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ (السَّلَامُ فَائِدَةٌ، وَلَكَانَ (?) عَلَى هَذَا الْأَصْلِ تُعَدُّ (?)) (?) الرِّسَالَةُ (?) عَبَثًا لَا مَعْنَى لَهُ، وَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ، فَمَا (?) أَدَّى إِلَيْهِ مِثْلُهُ.
فَأَنْتَ تَرَى أَنَّهُمْ قَدَّمُوا أَهْوَاءَهُمْ عَلَى الشَّرْعِ، وَلِذَلِكَ سُمُّوا ـ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، وَفِي إِشَارَةِ الْقُرْآنِ ـ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ (?)، وَذَلِكَ لِغَلَبَةِ الْهَوَى عَلَى عُقُولِهِمْ وَاشْتِهَارِهِ فِيهِمْ، لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ بالمشتق إنما تطلق (?) إِطْلَاقَ اللَّقَبِ إِذَا غَلَبَ مَا اشْتُقَّتْ مِنْهُ عَلَى الْمُسَمَّى بِهَا، فَإِذًا تَأْثِيمُ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ مَرْجِعَهُ إِلَى اتِّبَاعِ الرَّأْيِ، وهو اتباع الهوى المذكور آنفاً.
والرابع: أَنَّ كُلَّ رَاسِخٍ لَا يَبْتَدِعُ أَبَدًا، وَإِنَّمَا يقع الابتداع ممن لم يتمكن في (?) الْعِلْمِ الَّذِي ابْتَدَعَ فِيهِ، حَسْبَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الحديث (?)، ويأتي تقريره بحول الله (?).