وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّمَا الرَّأْيُ الْمَذْمُومُ الْمَعِيبُ الرَّأْيُ الْمُبْتَدَعُ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ مِنْ ضُرُوبِ الْبِدَعِ، فَإِنَّ حَقَائِقَ جَمِيعِ الْبِدَعِ رُجُوعٌ إِلَى الرَّأْيِ، وَخُرُوجٌ عَنِ الشَّرْعِ (?). وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَظْهَرُ، إِذِ الْأَدِلَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ لَا تَقْتَضِي بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبِدَعِ نَوْعًا دُونَ (?) نَوْعٍ، بَلْ ظَاهِرُهَا يقتضي (?) الْعُمُومَ فِي كُلِّ بِدْعَةٍ حَدَثَتْ أَوْ تَحْدُثُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَانَتْ مِنَ (?) الْأُصُولِ أَوِ الْفُرُوعِ (?)، كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ (?) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (?) بعد ما حَكَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْخَوَارِجِ (?).
وَكَأَنَّ الْقَائِلَ بِالتَّخْصِيصِ ـ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ـ لَمْ يَقُلْ بِهِ (?) بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، بَلْ أَتَى بِمِثَالٍ مِمَّا تَتَضَمَّنُهُ (?) الْآيَةُ، كَالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا كَانَ (?) مُشْتَهِرًا في ذلك الزمان، فهو أولى مَا يُمَثَّلُ بِهِ، وَيَبْقَى مَا عَدَاهُ مَسْكُوتًا عَنْ ذِكْرِهِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ، وَلَوْ سُئِلَ عَنِ الْعُمُومِ لَقَالَ بِهِ.
وَهَكَذَا كُلُّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْخَاصَّةِ بِبَعْضِ أَهْلِ الْبِدَعِ إِنَّمَا تَحْصُلُ عَلَى التَّفْسِيرِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى مِنْ سُورَةِ آلِ عمران إنما نزلت فِي قِصَّةِ نَصَارَى نَجْرَانَ؟ ثُمَّ نُزِّلت عَلَى الْخَوَارِجِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ (?)، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُذْكَرُ فِي التَّفْسِيرِ، إِنَّمَا يَحْمِلُونَهُ عَلَى مَا يشمله