لِقَوْلِهِمْ: لَا نَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ اعْتِدَادًا بِحُرْمَتِهِ (?)، وَطَوَافِ مَنْ طَافَ مِنْهُمْ بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا (?) قَائِلِينَ: لَا نَطُوفُ بِثِيَابٍ عَصَيْنَا اللَّهَ فِيهَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا وَجَّهُوهُ ليصيِّروه (?) بِالتَّوْجِيهِ كَالْمَشْرُوعِ، فَمَا ظَنُّكَ (?) بِمَنْ عُدّ أَوْ عَدَّ نَفْسَهُ مِنْ خَوَاصِّ أَهْلِ الْمِلَّةِ؟ فَهُمْ أَحْرَى بِذَلِكَ، وَهُمُ الْمُخْطِئُونَ وَظَنُّهُمُ الْإِصَابَةَ، وَإِذَا تبيَّن هَذَا ظَهَرَ أَنَّ مُضَاهَاةَ الْأُمُورِ الْمَشْرُوعَةِ ضَرُورِيَّةُ الْأَخْذِ فِي أَجْزَاءِ الْحَدِّ.
وَقَوْلُهُ: (يُقْصَدُ بِالسُّلُوكِ عَلَيْهَا الْمُبَالَغَةُ فِي التَّعَبُّدِ لِلَّهِ تَعَالَى)، هُوَ تَمَامُ مَعْنَى الْبِدْعَةِ؛ إِذْ هُوَ الْمَقْصُودُ بِتَشْرِيعِهَا.
وَذَلِكَ أن أصل الدخول فيها الحثّ (?) عَلَى الِانْقِطَاعِ إِلَى الْعِبَادَةِ، وَالتَّرْغِيبِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *} (?)، فَكَأَنَّ الْمُبْتَدِعَ رَأَى أَنَّ الْمَقْصُودَ هَذَا الْمَعْنَى، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَنَّ مَا وَضَعَهُ الشَّارِعُ ـ فِيهِ ـ مِنَ الْقَوَانِينِ وَالْحُدُودِ كَافٍ، فَرَأَى (?) مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ (?) ـ لِمَا أُطْلِقَ الْأَمْرُ فِيهِ ـ مِنْ قَوَانِينَ مُنْضَبِطَةٍ، وَأَحْوَالٍ مُرْتَبِطَةٍ، مَعَ ما يداخل (?) النفوس من حب الظهور [والذكر بالمناقب التي ينفرد بها الأفراد، واستنباط الفوائد التي لا عهد بها، إذ الدخول في غمار الخلق يميت الهوى، لعدم الظُّهُورِ] (?)، أَوْ عَدَمِ مَظِنَّتِهِ، فَدَخَلَتْ فِي هَذَا الضبط شائبة البدعة.