عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرْسِلْهُ (?) اقْرَأْ يَا (هِشَامُ) (?). فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، (ثُمَّ قَالَ) (?): اقْرَأْ يَا عُمَرُ ـ فقرأت القراءة التي أقرأني ـ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (?): كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سبعة أحرف، فاقرأوا (مَا) (?) تَيَسَّرَ مِنْهُ" (?).
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إِنَّمَا هِيَ إشكال وقع لبعض الصحابة رضي الله عنهم فِي نَقْلِ الشَّرْعِ، بيَّن لَهُمْ جَوَابَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا، فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْمُكَلَّفِينَ فِي بَعْضِ مَعَانِيهِ أَوْ مَسَائِلِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَفْسُهُ اخْتِلَافٌ، فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْأُمَمُ فِي النُّبُوَّاتِ وَلَمْ يَكُنْ (ذَلِكَ) (?) دَلِيلًا عَلَى وُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِي نَفْسِ النُّبُوَّاتِ، وَاخْتَلَفَتْ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنْ عُلُومِ التَّوْحِيدِ وَلَمْ يَكُنِ اخْتِلَافُهُمْ دَلِيلًا عَلَى وُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا صَحَّ مِنْهُ أَنَّ الْقُرْآنَ فِي نَفْسِهِ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ.
ثُمَّ نَبْنِي عَلَى هَذَا مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ: أَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ تَنَزُّهُهُ عَنِ الِاخْتِلَافِ، صَحَّ أَنْ يَكُونَ حَكَمًا بَيْنَ جَمِيعِ الْمُخْتَلِفِينَ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَرِّرُ مَعْنًى هُوَ الْحَقُّ، وَالْحَقُّ لَا يَخْتَلِفُ فِي نَفْسِهِ، فَكُلُّ اخْتِلَافٍ صَدَرَ مِنْ مُكَلَّفٍ فَالْقُرْآنُ هُوَ الْمُهَيْمِنُ عَلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} (?) وأعم من هذا قوله تعالى: {كَانَ